عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴿٨٧﴾    [البقرة   آية:٨٧]
الله سبحانه وتعالى يقول: ( وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ).. لماذا قال الحق تبارك وتعالى: ( وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ).. ألم يكن باقي الرسل والأنبياء مؤيدين بروح القدس؟ نقول: لقد ذكر هنا تأييد عيسى بروح القدس لأن الروح ستشيع في كل أمر له.. ميلاداً ومعجزةً وموتاً.. والروحُ القدس هو جبريل عليه السلام لم يكن يفارقه أبدا.. لقد جاء عيسى عليه السلام على غير مألوف الناس وطبيعة البشر مما جعله معرضاً دائماً للهجوم.. ولذلك لابد أن يكون الوحي في صحبته لا يفارقه.. ليجعل من مهابته على القوم ما يرد الناس عنه.. وعندما يتحدث القرآن أنه رفع إلى السماء.. اختلف العلماء هل رفع إلى السماء حيا؟ أو مات ثم رفع إلى السماء؟ نقول: لو أننا عرفنا أنه رُفع حيا أو مات فما الذي يتغير في منهجنا؟ لا شيء.. وعندما يقال إنه شيء عجيب أن يرفع إنسان إلى السماء، ويظل هذه الفترة ثم يموت.. نقول إن عيسى ابنَ مريمَ لم يتبرأ من الوفاة.. إنه سيُتَوَفّى كما يُتَوَفَّى سائر البشر.. ولكن هل كان ميلاده طبيعياً؟ الإجابة لا.. إذن فلماذا تتعجب إذا كانت وفاته غير طبيعية؟ لقد خلق من أم بدون أب.. فإذا حدث أنه رفع إلى السماء حياً وسينزل إلى الأرض فما العجب في ذلك؟ ألم يصعد رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى السماء حياً؟ ثم نزل لنا بعد ذلك إلى الأرض حياً؟ لقد حدث هذا لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام.. إذن فالمبدأ موجود.. فلماذا تستبعد صعود عيسى ثم نزوله في آخر الزمان؟ والفرق بين محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعيسى هو أن محمداً لم يمكث طويلاً في السماء، بينما عيسى بقى.. والخلاف على الفترة لا ينقض المبدأ. ... وقوله تعالى: ( بِمَا لاَ تَهْوَىا أَنْفُسُكُمْ ).. هناك هَوَى بالفتحة على الواو وهَوِيَ بالكسرة على الواو.. هَوَى بالفتحة على الواو بمعنى سقط إلى أسفل.. وهَوِيَ بالكسرة على الواو معناه أحب وأشتهى. . اللفظان ملتقيان.. الأول معناه الهبوط، والثاني حب الشهوة والهوى يؤدي إلى الهبوط.. ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى حينما يشرع يقول (تَعَالَوْا) ومعناها؟ إرتفعوا من موقعكم الهابط .. إذن فالمنهج جاء ليعصمنا من السقوط