عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿٥٢﴾    [الشورى   آية:٥٢]
فالله تعالى أحيانا بروحين: روح للجوانب الحسية، وهي التي بها حياة الأجساد، قال تعالى: ﴿وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء:٨٥]، وروح معنوية بها تكون حياة القلوب، قال تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [النحل: ٢]، والمراد: ينزل الملائكة بالوحي على من يشاء من عباده المرسلين، كما قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا ) فالقرآن هو الكتاب الوحيد الذي يحيي القلوب، ويبعث روح الحياة الإيمانية في الكون، ولذا خاطبنا الله تعالى بقوله: يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال : ٢٤]، وقال تعالى: ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام: ١٢٢]، فكما أن الأرض تحيا بوابل السماء كما قال تعالى: وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةَ فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) [ الحج : ٥ ] ، فكذلك تجد الأمة هامدة هائمة في ضلالها بغير قرآن، فإذا أشرق فيها نور القرآن اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، كما كانت أمة العرب بغير قرآن هامدة، فلما نزل عليها الوحي أخرجت خيرة رجال الهدى للناس. ومن خلال ما سبق يظهر لنا فضل هذا الكتاب، وأثره وقيمته في حياة الفرد والجماعة، فأكمل الناس حياة أكملهم له اتباعاً واستجابة ، وأعظم الأمة رفعة وشموخاً أعظمهم به حياة؛ ولذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما جاء في صحيح مسلم: إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»، فكل من أقبل عليه؛ رفعه وأكرمه، وأعزه وأحياه حياة طيبة، ومن أعرض عنه، أو آمن ببعضه وكفر ببعضه، أذله الله تعالى وأشقاه وأخذه، قال تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدَّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة : ٨٥]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَمَةِ أَعْمَى [طه: ١٢٤].
روابط ذات صلة: