عرض وقفة التدبر

  • ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴿٤٣﴾    [العنكبوت   آية:٤٣]
قال تعالى : { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } كان بعض السلف إذا مرَّ بمثلٍ في القرآن لا يفهمه يبكي ويقول: لستُ من العالِمين. قال الرازي في تفسيره : قال الكافرون كيف يضرب خالق الأرض والسموات الأمثال بالهوام والحشرات كالبعوض والذباب والعنكبوت؟ فيقال : الأمثال تضرب للناس يحصل لهم منها إدراك ما يوجب نفرتهم مما هم فيه وذلك لأن التشبيه يؤثر في النفس تأثيرا مثل تأثير الدليل، فإذا قال الحكيم لمن يغتاب : إنك بالغيبة كأنك تأكل لحم ميت لأنك وقعت في هذا الرجل وهو غائب لا يفهم ما تقول ولا يسمع حتى يجيب كمن يقع في ميت يأكل منه وهو لا يعلم ما يفعله ولا يقدر على دفعه إن كان يعلمه فينفر طبعه منه كما ينفر إذا قال له إنه يوجب العذاب ويورث العقاب. وقال السعدي : هذا مدح للأمثال التي يضربها، وحث على تدبرها وتعقلها، ومدح لمن يعقلها، وأنه عنوان على أنه من أهل العلم، فعلم أن من لم يعقلها ليس من العالمين، والسبب في ذلك: أن الأمثال التي يضربها الله في القرآن إنما هي للأمور الكبار، والمطالب العالية، والمسائل الجليلة، فأهل العلم، يعرفون أنها أهم من غيرها؛ لاعتناء الله بها، وحثه عباده على تعقلها، وتدبرها، فيبذلون جهدهم في معرفتها، وأما من لم يعقلها -مع أهميتها-، فإِن ذلك دليل على أنه ليس من أهل العلم؛ لأنه إذا لم يعرف المسائل المهمة فعدم معرفته غيرها من باب أولى وأحرى.