عرض وقفة التساؤلات

  • ﴿مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴿٤﴾    [الناس   آية:٤]
  • ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴿١٦﴾    [ق   آية:١٦]
  • ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴿٢٠﴾    [الأعراف   آية:٢٠]
  • ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴿٢١﴾    [الأعراف   آية:٢١]
س/ في قوله تعالى: (من شر الوسواس الخناس) ‏ما هي الأقوال الواردة في تفسير "الوسواس الخناس" فقد قرأت أنها اثنين أو ثلاثة.. فلو بينتموها؟ ج/ الوَسواس بالفتح اسم للموسوس، من الوسوسة، وقد تكون همساً يحسّ المرءُ أثرَهُ ولا يُسمع صوته، كما في وسوسة النفس ووسوسة الشيطان للإنسان. ‏فهي إلقاء خفي للإنسان. ‏قال ابن القيم: ‏"ولما كانت الوسوسة كلاماً يكرره الموسوس ويؤكده عند من يلقيه إليه كرروا لفظها بإزاء تكرير معناها؛ فقالوا : وسوس وسوسة؛ فراعَوا تكرير اللفظ ليُفهم منه تكرير مسمّاه". ‏والتعريف في {الوسواس} للجنس؛ فيشمل كل وسواس. ‏و{الخناس}: صفة مبالغة من الخنوس، وهو الاختفاء، وفيه معنى الانقباض والتواري والرجوع. ‏ومعنى المبالغة فيه: ‏كثير الخنوس أو شديد الخنوس. ‏وفي المراد بالوسواس الخناس قولان: ‏الأول: المراد به الشيطان؛ ‏وهو المشهور عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن البصري، والجمهور. ‏الثاني: كل موسوس من شياطين الإنس، وشياطين الجن، ‏ووسوسة النفس الأمارة بالسوء. ‏قال ابن الجوزي: ‏"قوله تعالى: {من الجِنَّة والناس} الجِنَّة: الجن. ‏وفي معنى الآية قولان: ‏- أحدهما: يوسوس في صدور الناس جِنَّتهم وناسهم، فسمَّى الجنَّ هاهنا ناساً، ‏كما سمَّاهم رجالاً في قوله تعالى: {يعوذُون برجال من الجن}، ‏وسماهم نفراً بقوله تعالى: {استَمَعَ نفر من الجن}... ‏وعلى هذا القول يكون الوسواس موسوساً للجن، كما يوسوس للإنس. ‏- والثاني: أن الوسواس: الذي يوسوس في صدور الناس، هو من الجِنَّة، وهم من الجن . ‏والمعنى: من شر الوسواس الذي هو من الجن. ‏ثم عطف قوله تعالى: {والناس} على {الوسواس}، والمعنى: من شر الوسواس، ومن شر الناس، كأنه أمر أن يستعيذ من الجن والإنس، ..". قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: "ولم يذكر ابن الجوزي إلا قولين، ‏ولم يذكر الثالث وهو الصحيح، ‏وهو أن قوله: {من الجنة والناس} لبيان الوَسواس أي: الذي يوسوس من الجنة ومن الناس في صدور الناس؛ فإن الله تعالى قد أخبر أنه جعل لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا، وإيحاؤهم هو وسوستهم، ‏وليس من شرط الموسوس أن يكون مستترًا عن البصر؛ بل قد يُشاهد، ‏قال تعالى: {فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين * وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين}". ‏والخلاصة أن الوسواس قد يكون من الجِنَّة، ‏وقد يكون من الناس، ‏فنستعيذ بالله من كل ما يوسوس من الجِنة ومن الناس. بل حتى نفس الإنسان توسوس؛ كما في قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}. ‏قال ابن تيمية: ‏"فالذي يوسوس في صدور الناس: ‏نفوسهم، ‏وشياطين الجنّ، ‏ وشياطين الإنس، ‏و"الوسواس الخناس" يتناول وسوسة الجِنة، ‏ووسوسة الإنس، ‏وإلا أي معنى للاستعاذة من وسوسة الجنّ فقط مع أن وسوسةَ نفسه وشياطين الإنس هي مما تضره، ‏وقد تكون أضر عليه من وسوسة الجن". ‏وأطال شيخ الإسلام في تقريره في رسالته في تفسير المعوذتين التي كتبها وهو في سجن القلعة في آخر حياته رحمه الله. ‏ولخنوس الوسواس سببان: ‏الأول: ذكر الله عز وجل، وهذا قال به جمهور المفسرين ومنهم: ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة. ‏و الثاني: طاعته والاستجابة له، ولذلك يرتاح بعض الناس إلى المعصية. ‏ويكون هذا في كل شأن من الشؤون؛ يوسوس الشيطان للعبد ثم يخنس إذا ذكر الله وإذا أطيع. ‏قال ابن جرير: ‏"…ولم يخصَّ وسوسته على نوع من أنواعها، ولا خنوسه على وجه دون وجه، وقد يوسوس بالدعاء إلى معصية الله؛ فإذا أطيع فيها خنس، وقد يوسوس للنهي عن طاعة الله؛ فإذا ذكر العبد أمر ربه فأطاعه فيه وعصى الشيطانَ خنس؛ فهو في كلتا حالتيه وسواس خناس". ‏وعن ابن عباس: "الشيطان جاثم على قلب ابن آدم؛ فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس" ‏وعن صفية بنت حيي قالت: ‏"كان رسول الله ﷺ معتكفا، فأتيته أزوره ليلا، فحدثته، ‏ثم قمت فانقلبت، ‏فقام معي ليقلبني، ‏فمر رجلان من الأنصار؛ ‏فلما رأيا النبي ﷺ أسرعا، ‏فقال النبي ﷺ: ‏على رسلكما، إنها صفية بنت حيي. ‏فقالا: ‏سبحان الله يا رسول الله. ‏قال: ‏إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا ‏أو قال:شيئا". ‏متفق عليه. ‏فهو يقذف في القلب، وهذا دليل على وجود اتصال له بقلب الآدمي ليقذف فيه، وأن القلب محلٌّ قابل لتلقّي ما يقذف به الشيطان وعَقْلِه وإدراكه، وإذا لم يعصم اللهُ العبدَ من شر ما يلقيه الشيطان ضل وشقي. ‏والأمر بالاستعاذة من شره دليل على أن العبد لا يستطيع بنفسه أن يعصم نفسَه من كيد الشيطان ، وكل موسوس خناس. ‏وإنما يحتاج إلى الاستعاذة بمن يعصمه منه، وهو الله جل وعلا وحده. ‏وإذا أحسنَ العبدُ الاستعاذةَ بالله تعالى بالقلب والقول والعمل لم يضرَّه كيد الوسواس الخناس.