عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴿٩﴾    [الحديد   آية:٩]
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) قوله (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) أي هو الذي ينزل الآيات لا غيره. ووصف رسوله بصفة العبدية فقال (عَلَىٰ عَبْدِهِ) ليعلم أن رسوله إنما هو عبد لله. وأضافه إلى ضميره تكريماً له. وصفة (العبد) إنما يذكرها الله تكريماً لمن تطلق عليه. فقد كرمه الله سبحانه بهذا الوصف وكرمه أيضا بإضافته إلى ضميره. وكرمه مرة ثالثة بأن ذكر أنه هو الذي ينزل عليه الآيات البينات. وذكر (يُنَزِّلُ) بصيغة المضارع للدلالة على استمرار التنزيل. إن هذه الآية والتي قبلها مرتبطتان بصدر الآية الأولى وهي قوله (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) . فقوله (وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۙ) مرتبط بقوله (آمِنُوا بِاللَّهِ) . وقوله (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) مرتبط بقوله (وَرَسُولِهِ) ، وقد وصف الآيات بأنها بينات أي ظاهرات الحجة واضحات الدلالة على أنه رسول الله وعلى أن فيها الهدى التام، وإنما أنزل هذه الآيات البينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور، والفاعل في قوله ( لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ ) يحتمل أن يكون هو الله كما يحتمل أن يكون هو الرسول. (وإنَ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) الرأفة أخص من الرحمة وأرق. وقد جمع الله بين الرأفة والرحمة للدلالة على عظم رحمته بنا. ولم يفرد الله اسمه (الرؤوف) عن اسمه (الرحيم) إلا في موطنين هما قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) - البقرة (207) وقوله (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) - آل عمران (30) وذلك لأن المقام يقتضي ذاك، فقد قال في البقرة (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) - (204 - 206). فلا يناسب المقام ذكر الرحمة مع هؤلاء الذين ذكر فيهم (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) ثم ذكر بعد ذلك (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) .وقال في آل عمران( وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ) والتحذير لا يناسب ذكر الرحمة. **من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الأول ص 251.