عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٢٢﴾    [المجادلة   آية:٢٢]
قوله تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾[المجادلة: 22] . فقوله: ﴿يُوَادُّونَ﴾ من الفعل الماضي (وادَّ) على وزن (فاعَل)، وصيغة (فَاعَل) تدل على المشاركة، مثل قاتل، وضارب، وساهم، وهكذا شأن هذا الوزن في دلالته على أنه فعل لا ثنين إلا في أفعال محصورة جاءت على وزن (فاعل)، ولم تدل على المشاركة، وهي: قاتل الله فلانا، وبارك الله فيك، وبادر، وراقب، وضاعف، وقاسي، وعاين، وعافى، وعاقب، وداين، وباعد، وجاوز، وشارف، وناول، وظاهر. ومجئ ﴿يُوَادُّونَ﴾ في هذه الآية الكريمة، وهي التي تدل على المشاركة في المودة، التي هي من أعلى مراتب المحبة، ودون الخلة، تعنى –والله أعلم- نهي المؤمن عن مبادلة الكافر ممن يحاد الله المودة إذا ابتدأه الكافر بها، فلا يصح من المؤمن أن يقابل محبة الكافر الذي تلك صفته محبته له بمثلها، وإذا كان النهي عن مبادلته المحبة فإن مبادرة المؤمن للكافر بالمحبة أولى بالنهي، وأشد في الأثم. والمتأمل لقول الله تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا ﴾ يلحظ أن التعبير قد جاء بصيغة الخبر، الذي هو ضد الإنشاء، مع أن المراد بذلك النهي، وذلك للمبالغة في الزجر عن محبتهم، والأمر بمجانبتهم، والاحتراس من مخالطتهم ومعاشرتهم، فجاء النظم القرآني معبرا عن ذلك بأنه من المحال وجود مؤمنين صادقين في إيمانهم حقا يوادون أعداء الله من المشركين. والله أعلم.