عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿طس‌ تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿١﴾    [النمل   آية:١]
ننظر لماذا جاءت كلمة الكتاب مع (ألر) وكلمة القرآن مع (طس). هنا نحاول أن نستفيد من الدرس الصوتي وكما قلت طبّقت هذا على جميع الآيات التي فيها حروف مقطعة بحيث أستطيع أن أخرج بقاعدة حيثما وردت كلمة القرآن وحيثما وردت كلمة الكتاب: (ألر) مؤلفة من أربعة مقاطع (مقطع قصير يتبعه مقطع طويل مغلق ثم مقطعان مديدان). لما نأتي إلى (طس) نجد أنها مكونة من مقطعين (مقطع طويل مفتوح ومقطع مديد). الأول (ألر) ينتهي بمديدين وفيه طويل مغلق فإذن هو أثقل من حيث الجانب الصوتي يعني يحتاج إلى جهد أكبر. أيهما يحتاج إلى مجهود أكثر: أن تنطق شيئاً أو أن تكتبه؟ الكتابة تحتاج المجهود الأكبر لأنها تحتاج إلى القلم وسابقاً الدواة والقرطاس والقصبة ويبدأ يخطّ الحرف خطّاً فهذا فيه جهد. الحروف المقطعة التي فيها جهد يأتي بعدها كلمة كتاب والحروف المقطعة التي هي أقل جهداً يأتي بعدها القرآن. لأن القراءة أسهل من الكتابة. وننظر في الآيات حيثما وردت في القرآن: الأحرف المقطعة جاءت في 29 موضعاً في القرآن الكريم والذي توصلنا إليه ما يأتي: القاعدة: أنه إذا كانت الحروف المقطعة أكثر من مقطعين فعند ذلك يأتي معها الكتاب لأن الكتابة ثقيلة. وإذا كانت الحروف المقطعة من مقطعين يأتي معها القرآن بإستثناء إذا كان المقطع الثاني مقطعاً ثقيلاً. مثلاً (حم) الحاء مقطع والميم مقطع ثقيل لأنه مديد (ميم، حركة طويلة، ميم: قاعدتان وقمة طويلة) وهو من مقاطع الوقف. فالميم ثقيل لأنه يبدأ بصوت وينتهي بالصوت نفسه وبينهما هذه الحركة الطويلة والعرب تستثقل ذلك ولذلك جعلوه في الوقف. ما الدليل على الإستثقال؟ لما نأتي إلى الفعل ردّ يردّ أصله ردد يردد لكن ردد فيه الدال وجاء إلى الفتحة ورجع إلى الدال مثل الميم (ميم، ياء، ميم) فالعربي حذف الفتحة وأدغم فقال ردّ. قد يقول قائل ما الدليل على أن ردّ أصله ردد؟ نقول له صِل ردّ بتاء المتكلم (رددت) تظهر. إذن فهم لا يميلون أن ينقل لسانه من حرف ثم يعود إليه بعد حركة هذا يستثقله. فكلمة ميم تبدأ بميم وتنتهي بميم، كلمة نون تبدأ بالحرف وتنتهي بنفس الحرف وبينهما حركة. هذا مقطع ثقيل والكتابة أثقل فلما يكون المقطع ثقيلاً يذكر كلمة الكتاب. في سورة (ن) قال (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)) لم يذكر الكتاب ولكنه ذكر آلة الكتابة (القلم) وعملية الكتابة (يسطرون). * ورتل القرآن ترتيلا : (طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)) إن التقديم والتأخير في القرآن يقف وراءه سِرٌ عظيم لا يدركه إلا المتبصرون. ففي هذه الآية قدّم ربنا إسم القرآن على إسم الكتاب بينما الأمر نراه مختلفاً في سورة الحجر حيث قال ربنا (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ (1)) فلِمَ قدّم البيان الإلهي كلمة القرآن هنا على كلمة (كِتَابٍ مُّبِينٍ) خلافاً للحجر؟ قدّم ربنا في هذه الآية القرآن وعطف عليه (وَكِتَابٍ مُّبِينٍ) على عكس ما في طالعة سورة الحجر لأن المقام في سورة النمل مقام التنويه بالقرآن ومتّبعيه. ولذلك وُصِف بأنه (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي بأنهم على هدىً في الحال ومبشَّرون بحسن الاستقبال فكان الأهم هنا للوحي المشتمل على الآيات هو استحضاره بإسم العلم المنقول من مصدر القرآءة. لأن القرآءة تناسب حال المؤمنين به والمتقبلين لآياته فهم يدرسونها. وأما ما في أول سورة الحجر فهو مقام التحسير للكافرين من جراء إعراضهم عن الإسلام. فناسب الابتداء بإسم الكتاب المشتق من الكتابة دون القرآن لأنهم بمعزلٍ عن قرآءته ولكنه مكتوب وهو حُجّة باقية عليهم على مرّ الزمان فهو كتاب متداول بين الأيدي.