عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴿١١١﴾    [المائدة   آية:١١١]
آية (111): * ما الفرق بين (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) المائدة) و(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) آل عمران)؟ د.حسام النعيمى : أولاً (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُم(ُ كلمة منهم إشارة إلى بني إسرائيل لأن مجال عمله بنو إسرائيل، هو يعمل معهم. بعد أن كلّمهم ودعاهم وأظهر لهم المعجزات وطالبوه بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأعمى يبصر. بعد كل هذه المعجزات المفروض الإنسان أن لا تأخذه العزة بالإثم. لما يرى هذه الأشياء وهي أشياء مادية ملموسة حيث يخرج ميتاً حيّاً من قبره، أعمى يُبصر يمسح على عينيه فيبصر، أبرص لا علاج له، شخص لا ينطق يصبح يتكلم، معجزات ملموسة ومشاهدة من قبل مئات من الناس وليس شخصاً واحداً. مع ذلك كفروا به وقالوا هذا سحر وأنت ساحر تفعل هذا والسحرة يفعلون هذا. فأحس عيسى  منهم الكفر عند ذلك توجّه إليهم بالدعوة وبالسؤال: من يناصرني إلى إبلاغ دين الله عز وجل؟ هذه الشريعة؟ إذن هو يسأل عمن ينصره؟ عن أنصار والنصرة تقتضي الجمع والضمّ كتفٌ إلى كتف (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4) الصف) يشد بعضهم بعضاً هذا المطلوب. (من أنصاري إلى الله) قال الحواريون (والحواري في اللغة بمعنى المنقّى المصفّى بحيث لما تذهب عنه الشوائب يكون أبيض كالثوب الأبيض منقى من الشوائب). قال الحواريون (نحن أنصار الله) كان يمكن أن يكتفوا بقول (نحن) وإنما أرادوا أن يوضحوا ويبينوا (نحن أنصار الله) أي نحن أنصار دين الله، فقولهم أنصار الله فيه بيان وتأكيد. (آمنا بالله) لأن هو سألهم من أنصاري إلى الله؟ فقالوا آمنا بالله الذي تدعوننا لنصرة دينه واشهد بأنا مسلمون (فعل أمر لعيسى ) اشهد علينا أننا مطبقون لشرع الله، لهذا الإيمان. الإيمان في القلب لا يظهر والإسلام تطبيق عملي فنحن نطبق عملياً. الآيات تضمنت تأكيدات وبيان: أنصار الله، آمنا بالله، وأنّ للتوكيد فيها معنى الضم. فقلّل التوكيد في (أنّ) حتى يتوصل إلى الإدغام الموحي بصورة الجمع ولم يقل (بأننا) لأن فيها تفريق. (أنّ) مكونة من الهمزة ونون ساكنة ونون مفتوحة كما نقول: علمت أنّ زيداً يفعل كذا. (أنّ والتحقت بها: نا) نحن عندنا الأحرف المشبهة بالفعل فيها أنّ، كأنّ، لكنّ إنّ منتهية بنون مشددة لما تلتحق بها (نا) التي هي للمتكلمين أو المعظِّم لنفسه يكون عندنا ثلاث نونات فأحياناً العرب يخففون بحذف إحدى النونين فيقولون إنّي وإنّك. مع (نا) للمتكلمين يفعل الشيء نفسه إنّا وإننا، لكنا ولكننا وكأنا وكأننا ما أن يحافظ على كيانها فتكون (نا) مفصولة عنها (إننا، كأننا، لكننا). وإما أن يخفف بحذف النون الثانية فتدغم النون الأولى لأنها نون الضمير فتصير: كأنا، لكنا، إنا. فهنا حذف وخفف لأن التوكيدات كثرت فخفف التأكيد وتوصّل عن طريق هذا إلى الإدغام المشعِر بهذا الإلتصاق بين أنصار الله لذا قال (واشهد بأنا مسلمون) ولم يقل بأننا لأنها ابتعدت والصورة صورة مناصرة يراد لها صفّ والتصاق وفيها قرب وإلتصاق. التخفيف وارد في لغة العرب والإتمام وارد نقول أننا وأنّا. لكن لماذا اختارها هنا التخفيف (أنّا)؟ هذا الغرض الذي يتبين من خلال هذا الجمع والضم. الكلام هنا على مناصرة ولذلك من أنصاري إلى الله قالوا آمنا بالله مناسبة. في الآية الثانية الكلام على الإيمان وهو إلهام الله عز وجل لهذه الصفوة أن تؤمن، لكن تؤمن بماذا؟ (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ) لما عُرِض عليهم الدين ألهمهم الله عز وجل (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) فألهمهم الله عز وجل الإيمان، الإيمان بماذا؟ (آمنوا بي وبرسولي) إيمان بالله وإيمان بالرسول. تخيل لو قالوا: آمنا بالله معناها لم يؤمنوا بالرسول، إذن كلمة (الله) هنا ليس لها موضع لا تصح لأنهم دعوا إلى الإيمان بالله وبالرسول فقالوا آمنا. ولو قالوا آمنا بالله وبرسوله يكون تكراراً ليس له معنى. (آمنا) معناها آمنا بالله وبالرسول فيُكتفى بـ (آمنا). (واشهد بأننا مسلمون): هذه الآية ليس فيها تأكيدات كتلك الآية فحوفظ على (إنّ) كاملة حتى يكون فيها التأكيد لإسلامهم. (واشهد بأننا) أننا آكد من أنّا من حيث التأكيد. هنا لم يحذف وإنما جاء بالكلمة كاملة من قبيل زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. هناك قلّصوا التأكيد لأن فيها مؤكدات أخرى تُغني وفيها إدغام لأن الكلام على النصرة. بينما هنا أكدوا لأنه لا توجد مؤكدات وفصلوا حتى يكون آكد (بأننا مسلمون). وهنا (واشهد بأننا مسلمون) اشهد فعل أمر لعيسى عليه السلام . الله عز وجل أوحى إليهم أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا، ثم التفتوا إلى نبيّهم الذي آمنوا به فقالوا: آمنا واشهد بأننا مسلمون فيها إلتفات أي إشهد على إسلامنا. وفعلاً طبقوا لأنه أنت لا تعرف أنه مسلم إلا بالتطبيق لأن الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل. أما الذي في القلب فلا يطّلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى ولذلك لما قال سعد ابن أبي وقاص للرسول  وهو يوزع الغنائم: يا رسول الله أعطِ فلاناً فإنه مؤمن، فقال الرسول  تعليماً لسعد وغيره: أو مسلم. كررها أكثر من مرة. أنت ما شققت عن قلبه لأن الإيمان مستقره القلب لكن إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان لأن هذا ظاهر الأمر والتطبيق هو الإسلام. (واشهد بأننا مسلمون) فيها إلتفات. قال آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ولم يقولوا مؤمنون لأن الإيمان لا يظهر وعيسى عليه السلام يحتاج لمن يظهر له علامة الإيمان وعلامة الإيمان التطبيق (الإسلام) النبي يريد منهم أن يظهروا إسلامهم واشهد أننا مطبقون لهذا الإيمان لأن الإيمان يكون ضمناً.