عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣﴾    [المائدة   آية:٣]
*ورتل القرآن ترتيلاً: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (3) المائدة) تأمل في هذا التعبير الذي يفوق كل تعبير وكل بيان. وهل يبلغ تعبيرنا إلى هذا الحد في أن يشوقك إلى التشبث بما تسمع منه ولكن بيان الله يدفعك إلى هذا. ألا ترى كيف بيّن لك أن دين الإسلام هو الدين الخالد الأبدي فالشيء الذي تختاره وتدّخره لا يكون إلا أنفس ما حصلت عليه وكذلكم دين الإسلام هو أنفس ما ظهر من الأديان ولذلك ختم الله به الشرع ونسخ ما قبله ورضيه لعباده بأن يكون الدين الباقي والمدخر إلى يوم القيامة. (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (3) المائدة) لم وصف الله حالة الجوع القاهر بالمخمصة فقال (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) دون فمن اضطر بسبب جوعه الشديد؟ آثر ربنا أن يعبر عن شدة الجوع بالمخمصة دون غيرها لأن المخمصة مأخوذة من الخمص وهو ضمور البطن إذ أن الجوع يضمر البطون ولا شك أن ضمورها دليل قاطع على المجاعة والقحط وهذا يصور شدة الجوع أكثر من أي لفظ إذ لا يتصور أن يبلغ بالإنسان هذا المبلغ دون انقطاع طويل الأمد عن تناول الطعام وهذا الوصف والحال لا يحصل بعبارة أخرى مثل الجوع.