عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴿١﴾    [الناس   آية:١]
  • ﴿مَلِكِ النَّاسِ ﴿٢﴾    [الناس   آية:٢]
  • ﴿إِلَهِ النَّاسِ ﴿٣﴾    [الناس   آية:٣]
  • ﴿الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ﴿٥﴾    [الناس   آية:٥]
  • ﴿مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴿٦﴾    [الناس   آية:٦]
ما الفرق بين كلمة الناس في سورة الناس؟(د.حسام النعيمى) أصل السؤال متأتٍ من كلمة الناس التي هي قبل الأخيرة في السورة (في صدور الناس). بعض المفسرين قال كلمة الناس هنا بمعنى المخلوقين من الثقلين الإنس والجن فإذن هو يوسوس في صدورهم والناس الأخيرة (من الجنة والناس) هم البشر. لكن هذا الكلام مرجوح والرأي الراجح أن الناس حيثما وردت هي مقابل الجِنّة. الجِنّة والناس. عندنا الجِنّ يقابله الإنس وهما الثقلان، الجانّ يقابله الإنسان، والجِنّة تقابلها الناس لأن الجِنّة معناه المجموعة من الجِانّ ليس كل الجن وإنما أفراد من الجن. والناس هم أفراد من الإنس، وقد يطلق على الإفراد وقد يطلق على الجمع أو على مجموعة كبيرة أو على الإنس جميعاً فلما قابلها بالجِنّة التي هي لأفراد فمعنى ذلك أن كلمة الناس هنا يراد بها القِلّة. لما يقول (قل أعوذ برب الناس) الإستعاذة هنا  ثلاث مرات (برب الناس، بملك الناس، بإله الناس) أما في سورة الفلق فإستعاذ مرة واحدة والمستعاذ منه أربعة. وهذا سؤال ورد من أحد المشاهدين وهو: في سورة الناس المستعاذ به ثلاث الربوبية والألوهية والملك والمستعاذ منه واحد أما في سورة الفلق فالمستعاذ به واحد والمستعاذ منه أربعة فما الفرق؟ هذا الوسواس أي الذي يقوم بالوسوسة يعني فاعل مثل ثرثار الذي يثرثر ويقوم بالثرثرة. فالوسواس الذي يقوم بهذا الشيء في صدور الناس الذي هو محطة عمله. الصدر بحيث يغبّش عليه ومن هذا الغبش يدخل إلى القلب. لماذا قال الصدر؟ حتى يظهر أن القلب وما يحيط به لأن الصدر مكان القلب وهذا مجاز مرسل. الإستعاذة هنا لأن الوسوسة التي في الصدر أو في القلب تتعلق بشيء داخلي وليس بشيء ظاهري. والشيء الداخلي هو الذي يتعلق بالإيمان والإعتقاد ومن هنا تأتي الوسوسة. ولذلك إستعاذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس لم يعطف لأن القضية خطيرة فإستعاذ بالمربّي الذي يتعهد بالتربية وبالملك المالك المتصرف وبالمعبود الإله (بالصفات الثلاث) لتنجيه من هذا الأمر لتسلم له عقيدته الداخلية . بينما الأذى  في سورة الفلق أذى خارجي ظاهري (حاسد قد يمكر بك، النفاثات قد يعملن شيئاً ضدك، الليل إذا أظلم قد تأتي منه أقعى أو غيرها ، السحر) كلها أضرار جسدية فهذه لا تقتضي كثرة الصفات وإنما صفة واحدة وهي (رب) لأن كل الأذى هو خلاف ما يريده الله عز وجل في تربيته لهم. خلاف التربية لأن الذي يؤذي لم يتربّى ولم يتلق التربية تلقياً صحيحاً والله تعالى أرشده إلى أن يتربى تربية صحيحة لكنه لم يفعل لذا إستعاذ برب الفلق. والفلق هو إنبثاق النور والضوء لأن عمل هؤلاء جميعاً يكون في الظلمة: الحاسد والنفاثات والساحر فهناك مناسبة عجيبة. وهنا أيضاً لما يقول (برب الناس) مسألة تربية، (ملك الناس) مسألة التملك والقهر لأن الملك ملك وقاهر ومتسلط. فائدة هذا الترتيب : رب، ملك، إله: هو تدرج لأن التربية تكون في الصغر ثم الملك عادة عمله مع الجند ومع الكبار ، إله : المعبود الذي يفرّغ نفسه لعبادة الله سبحانه وتعالى هم عادة الكبار في السن أكثر من الشباب بعد أن يتفرغوا من الجندية أوغيرها. فهذا التردج هكذا من هنا جاء. الذي يوسوس في صدور الناس (من الجنة والناس) يعني هذا الوسواس يكون من الجن ويكون من الإنس، أما وسوسة الجن فهذا يدخل في مساحة الغيب الذي قلنا عنه في المتشابه (والراسخون في العلم يقولون آمنا به) . الجن يوسوسون، كيف يوسوسون؟ هذه مساحة المتشابه ونحن آمنا به. أما وسوسة الإنس فنحن نعرفها: الصديق الذي يوم القيامة يقول القائل (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) الفرقان)، المستشارون الذين يوسوسون في صدور بعض الناس أو الحُكّام أو غيرهم ليقوموا بهذا العمل أو لا يقوموا بهذا العمل حينما لا تكون فيما يرضي الله عز وجل فهي من هذه الوسوسة. فوسوسة الإنس نحن نعاني منها في حياتنا. الوسوسة تطلق على الخبيث من الكلام أما المشورة فهي مطلوبة عموماً (وأمرهم شورى بينهم). الوسوسة كأنها كلام خافت هو ليست لديه الشجاعة أو الجرأة أن يصرّح بما يقول أو يُعلن الوسوسة عموماً لأن ما دامت بهذه الصورة وما دام يستعاذ منها فهي للشرّ وليست للخير لأن تلك نصيحة إذا كانت للخير فهي نصح أوإرشاد أو تذكير ولا تكون وسوسة لأن النُصح يكون واضحاً.