عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴿١٧٣﴾    [آل عمران   آية:١٧٣]
آية (173): *ما دلالة استخدام الفعل الماضي والمضارع في آية سورة فاطر (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ {29}) ؟(د.فاضل السامرائى) قال تعالى في سورة فاطر (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ {29}). يتلون فعل مضارع وأقاموا فعل ماضي والفعل المضارع يدل على الحال والتجدد والإستقبال والماضي مضى هذا هو الأصل وفي الآية ذكر تعالى أكثر ما يتجدد أولاً لأن تلاوة القرآن أكثر من الصلاة لأن إقامة الصلاة لا تكون إلا بقراءة القرآن وقراءة القرآن تكون في كل وقت وإقامة الصلاة هي أكثر من الإنفاق إذن فالأفعال مرتّبة في الآية بحسب الكثرة وبحسب الإستمرار فبدأ بما هو أكثر بالأكثر والأكثر استمراراً ثم بما دونها كثرة (الصلاة) ثم الأقل (الإنفاق). وفعل أقاموا هو فعل ماضي فهل هو مضى؟ الفعل الماضي بعد إسم الموصول يكون له زمنان فقد يكون له زمن ماضي مثل قوله تعالى (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) وقد يحتمل معنى المضي والإستقبال مثل قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ {159} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {160} سورة البقرة) هذه الأفعال الماضية في الآية (تابوا وأصلحوا وبيّنوا) تدل على احتمال الإستقبال لأنها جاءت بعد الكتمان (إن الذين يكتمون). أصلاً زمن الفعل الماضي بعد الإسم الموصول يحتمل المضي ويحتمل الإستقبال. وهنالك أمور قطعية وهنالك أمور تبقى مشتركة. أما (كان) فلها أزمنة خاصة بها فهي تفيد الإستمرارية (كان ولا يزال) وتأتي أصلاً للإستقبال كما في وصف الآيات للآخرة (وفتحت السماء فكانت أبوابا) وفي الحديث عن الله تعالى (وكان الله غفوراً رحيما) فهي تدل على كونه غفور رحيم وهذا كونه سبحانه. *(ورتل القرآن ترتيلاً) : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) تبصّر في هذه الصورة الرائعة التي ترسلها الريشة القرآنية بدقة متناهية تسلب الألباب، إنها صورة هؤلاء المؤمنين الذين استعلوا على جراحهم في غزوة أحد واستعلوا على آلآمهم ولم يفقدوا شجاعتهم وتبتلهم ويقينهم بالله عز وجل فلما خوّفهم الناس بجموع المشركين التي تجمعت لاستئصالهم ما زادهم هذا التخويف إلا إيماناً ويقيناً وثباتاً وعزيمة وقالوا (حسبنا الله ونعم الوكيل).