عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٢٢﴾    [المجادلة   آية:٢٢]
* (جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (8) البينة) وقال تعالى (أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ (31) الكهف) (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا (22) المجادلة) (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة) مرة يقول جزاؤهم ومرة يقول يدخلهم فما الفرق بين جزاؤهم ويدخلهم؟ ومتى يقول من تحتها الأنهار ومتى يقول تحتها الأنهار؟ هل هناك رابط يمكننا أن نعرف القراءة الصحيحة تحتها ومن تحتها؟ ومتى تأتي كلمة (عدن)؟ ومتى تأتي كلمة (أبداً)؟ متى يقول خالدين فيها أبداً ومتى يقول خالدين فيها بدون أبداً ومتى لا يقول خالدين فيها؟ هذا السؤال وقع في آيتين في المجادلة وفي البينة، في المجادلة (وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا (22) المجادلة) وفي البينة (جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (8) البينة). قراءة السياق يتضح الأمر لو قرأنا السياق في كل من الآيتين يتضح الأمر. قال في المجادلة (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)) هذا سياق المجادلة. في البينة قال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)). لو نظرنا في سياق كلٍ من الآيتين، في المجادلة لم يذكر عمل وإنما ذكر عدم موادّة (يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ما ذكر عملاً، ذكر عدم موادّة. في البينة قال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) ذكر العمل إلى أن قال (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ). * والعمل يقتضي الجزاء! لا بد. ربنا يقول (إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16) الطور) (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) العنكبوت) (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90) النمل) في المجادلة لم يذكر عمل بينما في البينة ذكر العمل. * بالمنطق اللغوي أن الجزاء مرتبط بالعمل. أليس الإدخال نوع من أنواع الجزاء؟ قد يكون تكرّماً وليس جزاء، تفضلاً وليس جزاء. * فتح الله لك وعليك، جميل. إذن في البينة الجزاء لقاء عملهم في الدنيا، يُدخلهم في المجادلة ربما يكون جزاء العمل أو ربما يكون تفضلاً من الله سبحانه وتعالى. لا نعلم لكن ليس هنالك لم يذكر عمل أصلاً. ليس فقط هذا، عندما ذكر العمل وزاد في المجادلة قال (خَالِدِينَ فِيهَا) وفي البينة قال (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) . * هل هنالك فرق؟ معنى الخلود فترة زمنية غير معروفة. (أبداً) أدلّ على ذلك، تأكيد. * أقوى؟ نعم. في المجادلة قال (جَنَّاتٍ) وفي البينة قال (جَنَّاتُ عَدْنٍ). * هل هناك فرق بين جنات وجنات عدن؟ جنات مطلقة. * أيّ جنة طيبة يا دكتور. لا شك. لكن ربنا قال درجات (لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ (4) الأنفال). * مرة تأتي جنات ومرة تأتي جنات عدن هل جنات عدن هذه مرتبطة دائماً؟ للمناسبة ربنا يذكر للذين آمنوا وعملوا الصالحات يذكر أحياناً جنات عدن وأحياناً جنات الفردوس أو جنات مطلقة لأن هؤلاء عامة لما قال (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) من أدنى من يفعل ذلك إلى الرسل. * الرسل متضمنون في الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وأيضاً من هم دونهم من الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلى أدنى صورة من صور ذلك. إذن هؤلاء ليسوا درجة واحدة ولكن درجات فقد يكون بعضهم في الفردوس الأعلى وبعضهم فيما دون ذلك، * النبيين والصديقين والشهداء والصالحين كل هذه درجات هذه مراتب وكلها تدخل في الذين آمنوا وربنا يذكر كل واحد بحسب درجته لكن هنالك مسألة. * معذرة، قبل المسألة حينما يقول الذين آمنوا وعملوا الصالحات جمع الكل بما فيهم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وبالتالي يقول جنات إطلاق لكن المعلوم أن في الجنات درجات ولكلٍ درجته كلٌ بحسب عمله يقتسمونها بأعمالهم. أيضاً هنالك مسألة ربنا لا يذكر المساكن في الجنة إلا ذكر (عدن) إذا ذكر المساكن (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ (72) التوبة) إذا ذكر المساكن في الجنة يذكر معها عدن ولعل من أسباب ذلك أن عدن هو الإقامة، عَدَن في المكان يعني أقام. * إذن جنات عدن يعني جنات إقامة والإقامة تحتاج إلى سكن فقال مساكن. * جميل هذه لازمة مساكن - عدن إذا ذكر مساكن يذكر عدن لأن العدن يحتاج إلى إقامة والإقامة تحتاج إلى مساكن. * مرة يقول ربنا تبارك وتعالى من تحتها ومرة يقول من تحتهم ومرة يقول تحتها، ما الفرق بينها؟ إذا كان الكلام على المؤمنين أكثر يقول (من تحتهم) وإذا كان الكلام على الجنات أكثر، إذا كان الاهتمام بالجنات يقول (من تحتها). إذا كان الاهتمام بذِكر المؤمنين في السياق يقول تحتهم وإذا كان الاهتمام بذكر الجنات يقول تحتها. (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الأعراف) ليس فيها وصف للجنة وإنما كل الكلام عن المؤمنين. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) يونس) الكلام عن المؤمنين وليس عن الجنة. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) الكهف) الكلام كله عن المؤمنين. (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) الرعد) الكلام عن الجنة، (وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) التوبة) يتكلم عن الجنات فقال (من تحتها). إذا كان الاهتمام بذكر المؤمنين قال من تحتهم وإذا ذكر الجنات قال (من تحتها). * مراعاة الكلام لمقتضى الحال، منتهى البلاغة. مرة يقول (تحتها) بدون (من) ولم يقل من تحتها؟ هذه مرة واحدة قالها، قالها في المهاجرين والأنصار (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة) المهاجرون والأنصار ليس معهم الأنبياء، كل المواطن الأخرى في القرآن معهم أنبياء آمنوا وعملوا الصالحات كلهم أما هذه فلم يذكر معهم أنبياء، ليس معهم أنبياء إذن جناتهم دون جنات من مع الأنبياء. فكل التي معهم أنبياء قال (من تحتها) أما هذه فقال (تحتها). (من تحتها) لأن (من) ابتداء الغاية، الجريان يبدأ منها، تجري من تحتها بداية الجريان منها. * وتجري تحتها؟ ليس بالضرورة. فلما يكون معهم الأنبياء يذكر الجزاء الأعلى.