عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى ﴿٤٠﴾    [القيامة   آية:٤٠]
*ما دلالة إستعمال (ذلك) في الآية (فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) الروم) و (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) القيامة) وما دلالة الإختلاف في الأسلوب في الآيتين؟ ولماذا استعمل إسم الإشارة ذلك بدل الله أو ربك؟ العرب تستعمل إسم الإشارة أحياناً للتعظيم وللتفخيم ولبيان علو المنزلة. بشار إبن برد الأعمى لما يقول: بكِّرا صاحبيَ قبل الهجير إن ذاك النجاح في التبكير خلَف قال له: لم لم تقل فالنجاح في التبكير، قال لو قلتها لكانت ضعيفة وأردتها أعرابية (إن ذاك). بعد ذلك يعقب عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز يقول له: " قلت بكِّرا في النجاح فإن هذا من كلام المولّدين ولا أدخل في معنى القصيدة - وبشار كان فصيحاً - فهل كان هذا القول من خلف والنقد على بشار إلا للطف المعنى وخفائه واعلم أن من شأن (أن) إذا جاءت على هذا الوجه أن تغني غناء فاء العاطفة. (إن ذلك لمحيي الموتى) يمكن أن نقول فذلك مُحيي الموتى لكن يفوت التأكيد بـ (إن) وتكون (إن) هنا كأنها ربطت الجملة الجديدة بالجملة القديمة من غير رابط فهي في حال وصل وفصل في آن واحد. هذا قد نعود إليه لأن عبارة الجرجاني مهمة "فأنت ترى الكلام بها مستأنفاً غير مستأنف مقطوعاً موصولاً معاً". لما يستعمل (إن) في مثل هذا الموضع ويأتي بكلمة (ذلك) لغرض التعظيم (إن ذلك) العظيم الشأن غير كلمة إن الله أو كلمة إن الرب أو إن ربك لأن يكون فيها تكرار. (إن ذلك) أيضاً بوجود اللام لزيادة البُعد في النفس لعلوّ شأن الله سبحانه وتعالى. وهنا نلاحظ في الآية الأولى: (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) الروم) وذكر إسم الجلالة (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ) لو قال : إن الله لمحيي الموتى كأن الكلام إنقطع ولكن لما قال (ذلك) ذلك إشارة إلى من سبق أن ذُكِر يعني: إن ذلك ذا الرحمة الذي يحيي الأرض بعد موتها هو نفسه محيي الموتى. فيها هذا المعنى الإضافي إضافة إلى التفخيم والتعظيم (إن ذلك العظيم الشأن) فيها أيضاً الربط فيما قبلها لأنه سبق أن ذكر إسم الله عز وجل (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) إن ذلك الذي فعل كل هذا هو نفسه الله. (ذلك) تعني الفاعل المُحدِث الله سبحانه وتعالى. وأيضاً في قوله (ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) القيامة) الله خلق، الله سوى، فجعل، الفاعل الله، أليس الذي فعل كل هذه الأشياء (يشير إلى تلك الأفعال) لما يقول الله أو الرب كأنه الإسم المجرد لكن الإشارة بـ (ذلك) ربطت بالمعاني السابقة لأنه كما قلنا في المرة الماضية عن الجرجاني أنه قال: هنا إن وأليس جاءت كأنها وصلت وفصلت هي مفصولة لكن وصلت بربطها عن طريق الإشارة، ربطت بما قبلها.