عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ﴿٢٦﴾    [الإنسان   آية:٢٦]
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)) لماذا قدّم الجار والمجرور على الفعل؟ لأن التهجد شاق على النفس فقدّم الليل بما يقابل الشدة (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)) قدّم ما هو متعلق على الفعل، (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة) (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) الإسراء) أمورثقيلة وأجرها عظيم لذا قدّم (من الليل) على الفعل (فاسجد له). كما أن الترتيب يفيد علو منزلة السجود وتقديم الجارّ والمجرور سوّغ إدخال الفاء في قوله (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) ودلالة الفاء هنا أنها تفيد التأكيد على أي حال. وقد قال النحاة أن الفاء قد تكون إما جواب شرط مقدّر يعني مهما كان الأمر فاسجد له وهي دعوة للسجود مهما كان الأمر وقسم آخر يقول أن الفاء زائدة للتوكيد وفي كلتا الحالتين يكون التوكيد للسجود والدلالة على أهميته وعظمته وجاءت الواو قبلها أيضاً (ومن الليل فاسجد له) ولا يصح أن نقول (واسجد له من الليل) لأنها تفوت أهمية السجود (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) قريش) وقوله تعالى (وربّك فكبّر) فلا يصح التقديم بدون الفاء. أفاد التقديم الدلالة على أهمية السجود ومنزلته ويفيد الإهتمام لأن أصل التقديم يفيد الإهتمام وهو الذي يُسوّغ إدخال الفاء في كل أحوالها تدل على عظم منزلة السجود. وعندما أوصى تعالى رسوله  أن يقوم الليل (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) المزمل) هنا أخّر الليل كما يقتضي الترتيب النحوي فلماذا لم يأتي بمثل ما جاء في آية سورة الإنسان؟ هذا الأمر في سورة المزمل جاء في أوائل الرسالة ثم لمّا اشتد الأمر أصبح فيه مشقة ويحتاج إلى صبر كما في سورة الإنسان وهذا في مرحلة متقدمة من الرسالة. والقرآن يبدأ شيئاً فشيئاً وكلمة تبتّل يفيد التدرج في العبادة وتبتّل تبتيلا، وتبتيل مصدر الفعل بتّل وهو دلالة على التكثير مثل جرّح تجريح وتجرّع فأمر الله تعالى رسوله  أن يبدأ بالتدرج وينتهي بالكثرة.