عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴿١٩﴾    [الحاقة   آية:١٩]
*حرف الهاء يقصد بها التنبيه في (هؤلاء، هذا) فهل للهاء نفس الدلالة في (فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) الحاقة)؟ وما دلالة باقي الكلمة (اؤم)؟ يفرحنا جداً مثل هذه الأسئلة والملاحظة والتتبع والمراعاة وتشير إلى أن المشاهدين يتتبعون فصاروا ممن يلاحظ هذه الآيات كما قال تعالى عن أناس هجروا هذا القرآن (أفلا يتدبرون القرآن) فصاروا ممن يتدبر القرآن وينظرون شيئاً دُبُر شيء. (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة) الجزء الأول في هاؤم (هـ) هو ليس كالجزء الأول في لفظ (هذا)، الجزء الأول من لفظ (هذا) نص العلماء على أن (ذا) هو إسم الإشارة ولو تذكرت أبيات الألفية: بذا لمُفردٍ مذكّر أشِر بذي وذِه تي تا على الأنثى اقتصر وتدخل الهاء للتنبيه فيقال (هذا) وأحياناً لا تدخل الهاء وإنما يأتي ذاك وذلك. لكن هنا (هاؤم) الهاء ليست للتنبيه و(أؤم) التي يحار الناس في معناها وإنما هذه لفظة، هي إسم فعل (هاؤم) كلمة كاملة كما هي بمعنى (خذوا) كأنما يريد أن يعطيهم شيئاً (هاؤم اقرأوا كتابيه) خذوا كتابي فاقرأوه. (هاؤم) قال العلماء تستعمل في لحظة الفرح الشديد، يقول هاؤم هذا وانظروا فيه. بعض العلماء تتبع هذه اللفظة في لغات العرب فوجد أن العرب تستعملها بثماني طرائق: منهم من يقول (ها) فقط: ها يا رجل، ها يا امرأة، ها يا رجلان، ها يا امرأتان، ها يا رجال، ها يا نسوة صورة واحدة بمعنى خذ وخذي وخذا وخذوا وخذن. وبعضهم يستعمل معها الهمزة (هأ) هأ يا رجل، لكن يقولون أكثرها استعمالاً التي أشار إليها سيبويه إمام النحاة وهي التي يقول فيها العربي (هاءَ يا رجل، هاءِ يا امرأة، هاءا يا رجلان ويا امرأتان، هاؤنّ للنساء وهاؤم يا رجال) فهذه هي اللغة العليا الأكثر إستعمالاً. أن تلحق الألف همزة مفتوحة قبل كاف الخطاب هذه لغة أخرى: (هاءك، هاءكِ، هاءكما، هاءكنّ، هاءكم). ثماني لغات لكن اللغة التي عليها القرآن الكريم أجودها ما حكاه سيبويه لما يقول العرب تقول أي جمهور العرب فهي اللغة العليا المثلى تقول (هاءَ، هاءِ، هاءا، هاءكنّ، هاؤم) فالميم في هاؤم كالميم في أنتم وضمها كضمها في بعض الأحيان. وفسّر هنا بـ(خذوا) وتستعمل عند الفرح والنشاط وكأنها جواب، كأنها لشخص يقول: ما عندك؟ يقول: هاءِ ما عندي، في حال فرحك ونشاطك وسرورك. هؤلاء كانوا مسرورين فيقولون (هاؤم) لفرحهم وسرورهم، والذي أعطي كتابه بشماله لم يقل هاؤم. وعندنا رأي يرى "وزعم قوم أنها مركّبة في الأصل" كأنها منحوتة نحتاً أصلها هاء التنبيه وأوموا أي إتجه إلى الشيء، هاأوموا إليّ يعني إتجهوا إليّ لكن لا يوجد دليل واللغات السبع الأخرى دليل على أنها كلمة وصنعت هكذا ابتداءً وليست من النحت. هناك فرق بين هاؤم وخذوا: هاؤم كأنها لفظة سرور لكن إذا قلت خذوا أي خذوا هذا الأمر وأنت فرح أو غاضب أو راضٍ أو غير راضٍ أو غيره لكن هاؤم فيها سرور وفرح. (لا تخفى منكم خافية): مناسبة أن نقول أن هذه الآية وحدها لو كان الإنسان يتبصّر فيها لتوقف عن كل عمل لا يرضي الله سبحانه وتعالى لما يتذكر أنه (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) هذه وحدها لو أراد أن يسرق أو يعصي، يقول صحيح أنه لا أحد يراني، لكن كيف أصنع يوم لا تخفى خافية؟ سلاّمة لما قالت لعبد الرحمن القُسّ (يقال له قُسّ لعبادته) قالت له: إني لأحبك، قال وأنا والله، قالت: وأشتهي أن أقبّلك، قال وأنا والله، قالت: فما يمنعك فإن الموضع لخالٍ؟ قال: يمنعني قول الله عز وجل - تذكروا فإذا هم مبصرون - (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) الزخرف) فأخشى أن تحول محبتي لك عداوة يوم القيامة. فلو تذكر الإنسان دائماً هذه الآية (يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية) ما كان عصى أحدٌ ربّه سبحانه وتعالى.