عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴿٣٠﴾    [الأحزاب   آية:٣٠]
  • ﴿وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴿٣١﴾    [الأحزاب   آية:٣١]
الكلام هو لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهنّ. (ومن يقنت منكم) العلماء يقولون (من) لفظها لفظ مذكر ومعناها وفقٌ للسياق بما يوافق السياق. يعني ممكن أن تأتي (من) للمفرد المؤنث وتأتي للمفرد المذكر وتأتي للمثنى وتأتي لجمع الذكور وتأتي لجمع الإناث لكن لفظها لفظ مذكر فأنت تقول: من درس أو من يدرس. بعد ذلك يمكن أن تعيد عليها بالإفراد أو التثنية أو الجمع أو التذكير أو التأنيث فيمكن أن تقول: من يدرس ينجحون، من درس نجحوا، من درس نجحت، من درس نجحا، من درس ينجحون، فيقول مرة أعدت على اللفظ ومرة أعدت على المعنى. أنت ماذا تريد من المعنى؟ فإذا قلت : من درس نجحوا، تريد الذين درسوا نجحوا ويمكن إبتداءً أن تقول من درسوا نجحوا ومن درسن نجحن ومن درست نجحت لكن غالباً لو نظرنا في آيات القرآن الكريم نجد أنه مع (من) إبتداءً يُراعي لفظها لفظ المفرد المذكر فيقول مثلاً (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) طه) فأحياناً ينظر لمّا يكون الكلام على المفرد دائماً عن المفرد لكن لما يكون عن الجمع يبدأ بالإفراد مراعاة للفظ (من). (ومن يقنت) نظر إلى لفظ (من) أنه مذكر مفرد يقال (ومن يقنت) ثم بيّن (منكن) يعني من يقع منه القنوت منكن. فإذن (من) هنا روعي لفظها لأن قلنا لفظ (من) مفرد مذكر. المعنى هنا للمؤنث الجمع، ما الدليل على أن المعن للجمع المؤنث؟ الدليل أنه قال (منكن). فإذن في كلمة (يقنت) وهذا هو الماضي أولاً يبدأ بمراعاة لفظها ثم يُراعي معناها كأنما يعطي (من) حقها مرتين يعطي (من) حق اللفظ ثم يعطيها حق المعنى فقال (ومن يقنت منكن) راعى في كلمة (يقنت) حق اللفظ وهذه سُنّة العرب في كلامهم مع (من) تراعي حق اللفظ أولاً ثم تراعي حق المعنى.حتى يكون الكلام عاماً في البداية مع (من) (وتعمل صالحاً) راعى المعنى مع أنه لغة يجوز أن يقول (ومن يقنت منكن لله ورسوله ويعمل صالحاً نؤتها أجرها) هنا يكون قد راعى اللفظ فقط. وقُريء (ويعمل صالحاً) في السبعة و قرأ حمزة والكسائي (ويعمل صالحاً) معناها أن بعض قبائل العرب وفّقت بين الفعلين (يقنت – يعمل) ولا توجد قراءة (تقنت) لأنه خلاف لغة العرب. لغة العرب تراعي لفظ (من) أولاً ثم تعكف عليه بمراعاة المعنى لأن اللفظ هو الظاهر والمعنى يأتي بعد ذلك فهي أولاً تراعي اللفظ ثم تعلّق عليه بمراعاة المعنى. ولو عكس لاعترضت العرب وقالوا هذا ليس من كلامنا. وشيء آخر يمكن أن نلحظه: طبعاً خمسة من القرّاء السبعة معناه أكثر القبائل العربية بل لغة قريش (من يقنت – وتعمل) لكن حمزة والكسائي أنهما كانا في الكوفة بعض قبائل العرب المحيطة بالكوفة وقرأوا بما أقرّه الرسول  لهم وليس من عند أنفسهم وهذا نكرره دائماً وأن القراءة ليست من هوى النفس وإنما برواية. وقبائل العرب روت عن آبائهم الأمة أخذته عن الأمة لكن عموم القراء قرأوا (وتعمل). لما ننظر (وتعمل صالحاً) هذا التأنيث تذكيره قد يُلبس لأن قبله (ورسوله) (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا) كأن العمل يعود على الرسول  فتفادياً لمثل هذا اللبس الذي قد يحدث قرأ الجمهور (وتعمل) ليس هذا هو السبب لكن كما قلت روعي اللفظ ثم المعنى ولكن لما روعي إبتعد هذا اللبس. الواو في (وتعمل) عاطفة على (ومن يقنت) ولذلك جزم. في سورة يوسف قال (وقال نسوة) ولم يقل (قالت نسوة): قلنا هذا الجمع الذي هو جمع تكسير، النسوة جمع إمرأة لأن ليس لها مفرد من لفظه وهو جمع تكسير إذا قُدّر بالجمع وقال جمع النسوة يقول (قال) ولجماعة النسوة يقول (قالت جماعة النسوة). .