عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١٢﴾    [الحديد   آية:١٢]
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)) *نظرة عامة على الآية : ربنا سبحانه وتعالى ذكر المؤمنين والمؤمنات في عرصات يوم القيامة وذكر أموراً فيها. قال عنهم أنهم يسعى نورهم ولم يقل يمشي نورهم وهذا يدل على إسراعهم أو الإسراع بهم إلى الجنة لأن السعي أسرع من المشي، ليس الجريان وإنما قال يسعى نورهم أي يُسرع بهم ولم يقل يمشي لأنه يحتمل أن المشي فيه إبطاء فأراد إما إسراعهم أو الإسراع بهم يُركب بهم على محافّ كما يقال أو على مطايا خاصة تسرع بهم إلى الجنة. لاحظ لو لم يكن يُسعى بهم أو لو كان النور يسعى وهم يمشون هذا يدل على الإسراع بهم ذكر يسعى نورهم ولم يذكرهم هم لو كان النور يسعى وحده كان سبقهم وتركهم في ظلمة. المقصود بنورهم (نورهم) لأن كل مؤمن يؤتى نوراً على قدر عمله يمشي به ويسعى به إلى الجنة على قدر عمله والنور محدد (بين أيديهم وبأيمانهم). قال يسعى لأن السعي فيه إسراع وقال يسعى نورهم ليس معناه أن النور يُسرع وهم مبطئون وإذا كان النور يسعى وهم يمشون لسبقهم وتركهم في ظلمة فلما قال يسعى نورهم دل على إسراعهم أو الإسراع بهم ولم يقل إلى أين يسعة بهم لأنه سيأتي التبشير لاحقاً. ذكر السعي للنور لماذا لم يقل يسعون؟ لأنه لو قال يسعون احتمال هذا يفضي إلى الجهد والتعب إذا هم سعوا لأن السعي يفضي إلى التعب والجهد فقال يسعى نورهم إذن نفهم من هذا أنه يُسعى بهم هم يُركب بهم على محافّ أو مطايا يُسرع بهم فيسرع نورهم معهم. إذن هو أسند السعي إلى النور ولم يقل يسعون لأن هذا يفضي بهم إلى الجهد والتعب وأسنده إلى النور وأسند النور إليهم لأن كل واحد يعطى له نوراً خاصاً يستضيء هو به ولم يقل يسعى النور. وهذا النور بين أيديهم وبأيمانهم. (بين أيديهم) أمامهم ولو قال أمامهم يحتمل القريب والبعيد، تقول القرية أمامك وقد يكون أمامك نور بعيد لكن لا تستضيء به ولا يكون نافعاً. بين أيديهم أي قريب وهم يسعون في هذا النور وجهة السير أمامهم. ولم يقل يسعون بنورهم لأن هذا يفضي بهم إلى تعب فكل كلمة مرسومة. *يسعى نورهم هل فيه دلالة على أن المؤمنين يسعون؟ لا وإنما يُسعى بهم ولا يركبون عليه وإنما النور يسعى بين أيديهم أي أنهم يبصرون الطريق وهذا الطريق نور لهم ولو لم يكن هكذا لضلوا كالمنافقين الذين ذكرهم في الآية التي بعدها. (بين أيديهم) جهة السير بين أيديهم لم يقل أمامهم لأن ذلك احتمال أن يكون بعيداً فلا ينتفعون به. (بأيمانهم) جمع يمين، يكون النور باليد اليمنى لأنها جهة كُتُب السعداء (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (19) الحاقة). ونلاحظ أنه لم يقل عن أيمانهم وإنما (بأيمانهم) الباء هنا للإلصاق كأنه مصباح تحمله في يدك، وكأنهم يحملون نورهم والله أعلم بالحال يوم القيامة. لذلك ما قال عن أيمانهم وقد وردت آيات أخرى فيها (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ (17) الأعراف) وإنما قال (بأيمانهم) كما قال (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) طه) لأنه ملتصق بأيمانهم. (عن) تستعمل للمجاوزة لما يقال جلس عن يمينه أي متراخياً عن يمينه ليس ملتصقاً أما بيمينك أي ملتصق. (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) هو يحملها في يده. *يسعى نورهم أسند السعي للنور فمسافة السعي بين أيديهم وبأيمانهم يُسعى بهم إلى الأمام هل هذا التركيب يُفهم منه أنه خاص بالمؤمنين والمؤمنات في حال سعيهم يوم القيامة؟ هو يتكلم عن المؤمنين والمؤمنات يوم القيامة (بشراكم اليوم). والخطاب موجه لكل من يصلح أن يُخاطَب، (يوم ترى) لكل من يصلح أن يخاطب والرسول  أولاً لكن كل من يصلُح أن يخاطب إما أن ينتفع بهذا الخطاب فهو مؤمن ويكون من هؤلاء والآخر فيكون حجة عليه من باب التأكيد. لأن أحياناً يكون الخطاب قد يكون لكل من يصلح له الخطاب. (يوم ترى) والرؤية هنا في الآية بالعين. *لماذا قال تحديداً المؤمنين والمؤمنات ولم يقل المسلمين والمسلمات؟ أولاً لأنه بعدها سيتكلم عن المنافقين والمنافقات مباشرة بعدها (يوم يقول المنافقون والمنافقات) والمنافقون أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ (14) الحجرات) الإسلام هو الظاهر وهو بالقول وما يُرى من أفعاله الظاهرة والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل. لذلك لما ذكر المنافقين والمنافقات يقابلهم المؤمنين والمؤمنات وليس المسلمين والمسلمات لأن المنافقين يقولون نحن مسلمين. (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي إلى الآن ما دخل وهو متوقع الدخول. (لمّا) معناها لم يحدث إلى الآن ولكن متوقع الحدوث. نقول لمّا يحضر أي لم يحضر إلى الآن ولكنه متوقع الحضور. (لمّا) نفي لـ (قد) لما نقول قد فعل نفيه لمّا يفعل ولما تقول فعل نفيه لم يفعل، حضر تنفيها لم يحضر وقد حضر نفيه لمّا يحضر. *عدّد الله تعالى في آية أخرى بعض الصفات مثل القانتين والقانتات والصابرين والصابرات وغيرها وهنا اكتفى بالمؤمنين والمؤمنات تحديداً؟ هذا مقابل المنافقين والمنافقات تحديداً وهذا يسمى المقابلة. (بشراكم اليوم): البشرى ما يُبشّر به تقول أبشّرك بهذا. وأصل البشرى للمحمود فإذا قيلت في الذم تكون من باب التهكم (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) لقمان). البشرى في الأمور الحسنة هذا في اللغة فإذا استعملتها في آخر تُخرجها عن ظاهرها من باب التهكم كما تقول لأحدهم أنت أشعر من البحتري وهو لا يُحسن أن يقول بيتاً. (بشراكم اليوم) أي يوم القيامة. ثم حذف القول ما قال يقال لهم بشراكم اليوم (بشراكم اليوم) هذا قول يبشرون به. لم يقل يقال لهم بشراكم اليوم ولكن قال بشراكم اليوم لأنه أراد أن الأمر مُشاهَد مرئي مسموع وليس إخباراً وإنما هو مشهد أمامك تسمع وترى ولو قال يقال لهم يصير إخباراً. (يوم ترى) هذا مُشاهَد ترى وتسمع من دون إخبار فلما قال (يوم ترى) أراد أن المشهد مسموع مرئي وليس إخباراً وإنما المشهد هذا أمامك. (بشراكم اليوم) ليس إخباراً عن غائب. وقال بشراكم أي كل واحد يدخل في البشرى وما قال البشرى جنات. *في خارج القرآن قد يقول بشراهم لكن في الآية تحول من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب فما دلالة هذا.التحول؟ الآن الكلام موجه للمؤمنين وقبل كان الكلام موجه للآخرين لو قال بشراهم يكون إخباراً عن أمر غائب. (يوم ترى المؤمنين) أنت تشاهد هم أمامك لما أقول يوم ترى المؤمنين أنت جهة أخرى غيرهم وأنت تشاهدهم، المشهد أمامك والآن يتوجه الكلام للمؤمنين، (بشراكم اليوم) الكلام ليس لك وإنما أصبح خطاباً للمشاهَد وليس للمشاهِد، هذا يسمى تحولاً في الخطاب غرضه البياني أنه يجعل المشهد حاضراً أمامك وليس إخباراً عن أمور غائبة وإنما عن أمر مشاهد هذا يكلم هذا وهذا يقال له وأنت تنظر. *(بشراكم اليوم جنات): ما الذي أفادته كلمة اليوم وقال في أول الآية (يوم ترى المؤمنين)؟ يوم ترى المؤمنين غير اليوم في (بشراكم اليوم) يخاطب المؤمنين في الأولى يخبرك يوم ترى كذا وكذا، (بشراكم اليوم) هذا اليوم حاصل وهو ليس إخباراً عن أمر مستقبل والبشرى كلما كانت قريبة كانت أدعى للمسرّة. اليوم وليس بعد سنين طويلة لا، اليوم، فهذا أدعى للمسرة لأن البشرى قريبة. يسعى بهم الآن هم ذاهبين إلى الجنة (بشراكم اليوم) اليوم يعني هذا الأمر كائن في هذا اليوم. وقال جنات ولم يقل جنة وكـأنه لكل واحد أكثر من جنة (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) الرحمن) (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) الرحمن) إذن البشرى أن لكل واحد أكثر من جنة. (تجري من تحتها الأنهار) في آية واحدة فقط في القرآن قال (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) التوبة). أولاً (من تحتها) أعلى من (تحتها) لأن بداية الجريان من تحتها، العيون تنبع من تحتها فيصير مشهد الجري مع مشهد بدايته من تحتها. (تحتها) ليس بالضرورة أن يكون المنبع تحتها. لكن (من تحتها) أي بداية الجريان من تحتها يتمتع بمشهد الجري وبداية الجري. أما لماذا قال في آية واحدة فقط (تجري تحتها)؟ كل آية فيها (تجري من تحتها الأنهار) معهم الأنبياء، المؤمنين والمؤمنات معهم أنبياء. أما في آية سورة التوبة فليس معهم أنبياء (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ) ليس معهم نبيّ. كل الآيات الأخرى على الإطلاق معهم الأنبياء وهذه ليس معهم الأنبياء. تجري من تحتها أي منبع الأنهار من تحتها. *لم يقل تسعى هنا بدل تجري؟ لأن الأنهار تجري ولا يقال تسعى والجري هو الركض من الإسراع. وتحت الجنة الواحدة عدة أنهار (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ (15) محمد). ونلاحظ أنه لما قال (تجري) معناها الأنهار غير راكدة، فيها تجدد للمياه لأن عدم الجري مظنّة الركود والأسن. إذا كان الماء لا يجري فهو مظنة الأسون. لاحظ لما لم يذكر الجري (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ) ما قال تجري ولكن قال (من ماء غير آسن) حدّد لأنه لما لم يذكر تجري حتى يرفع مظنة الأسون والركود قال (من ماء غير آسن) آسن أي متغيّر متعفن من عدم الجريان. لما يقول تجري لا يقول غير آسن ولما لا يقول تجري يقول غير آسن. الأنهار غير الآسنة تضاهي تجري من تحتها الأنهار من حيث التعبير البياني. * مرة يذكر في القرآن (خالدين فيها أبداً) ومرة (خالدين فيها) لماذا؟ وما نعنى أبداً (أبداً) أي ليس له نهاية. وخالدين الخلود عام وأحياناً العرب تقول خالدين لا يعنون فيها الأبد وإنما محدودة بفترة طويلة (ما دامت السموات والأرض). الأبد يعني بلا انقطاع لا ينتهي. وقد أثير هذا السؤال سابقاً وأجبنا عنه مطولاً وذكرنا جملة أمثلة من القرآن الكريم. إذا كان من باب تعظيم الأجور والكلام الطويل في وصفها يقول أبداً إذا كان تفصيل في الجنات ونعيمها يذكر أبداً وإذا كان إيجازاً لا يذكر أبداً. * بالرغم من أن المؤمنين والمؤمنات مذكورين لم يقل خالدين لماذا؟ لأنه لم يذكر نعيم الجنة وليس فيها تفصيل، ما ذكر شيئاً من النعيم وما فصّل في الجنة. *ختم الله تعالى هذه الآية بقوله (ذلك هو الفوز العظيم) وفي آية أخرى يقول (ذلك الفوز العظيم) فما دلالة الاختلاف؟ هو عرّف الفوز وجاء بضمير الفصل (هو) (وضمير الفصل يقع بين المبتدأ والخبر أو ما أصله مبتدأ وخبر أي إسم أن وخبرها وإسم كان وخبرها بين المفعولين حتى يفصل بين الخبر والنعت أو الصفة)، هذا هو ضمير الفصل وفائدته التوكيد والحصر. فلما قال (ذلك هو الفوز العظيم) يعني ليس هناك فوز آخر وما عداه هو الخسران. ما قال ذلك فوز عظيم لأن معناه قد يكون هناك فوز آخر محتمل. هذا ربح وليس معناه أنه ليس هناك ربح آخر، هذا نجاح وليس معناه أنه ليس هناك نجاح آخر. فلما قال (ذلك هو الفوز العظيم) تحديداً أي ليس هناك فوز آخر وما عداه خسران. وجاء بـ (هو) زيادة في التوكيد والحصر. ويقول في آيات أخرى (ذلك الفوز العظيم) هذه فيها حصر وأحياناً تأتي بؤكد واحد أو مؤكدين تكون أقوى. في نفس السؤال نضرب مثلاً في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) الصفّ) ما قال (هو)، قال (تؤمنون بالله ورسوله، وتجاهدون في سبيل الله)، ثم ذكر يغفر لكم ذنوبكم ويدخلهم جنات، طلب منهم الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات. وقال تعالى في آية أخرى (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة) في الآية الأولى قال تؤمنون بالله، يعني طلب منهم الإيمان بالله والاستمرار عليه وهنا قال اشترى من المؤمنين فوصفهم بالإيمان. هناك طلب منهم أن يجاهدوا في سبيل الله (تجاهدون في سبيل الله) عندهم الأموال والأنفس يجاهدون فيها لكن في الثانية باع واشترى ولم يبقى عندهم مال ولا أنفس (فاستبشروا ببيعكم).هناك جهاد وهنا يقاتلون والجهاد ليس بالضرورة من القتال فالدعوة جهاد (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) الفرقان) أما القتال حرب (فيقتلون ويُقتلون) وهذا أقوى الجهاد. أي تضحية أكبر من أن يدفع الواحد نفسه فلا يبقى عنده مال ولا نفس؟ هذه أكبر ولذلك في الآية الأولى قال (ويدخلكم جنات) لما أدخلهم جنات هل بالضرورة أنها صارت مُلكهم؟ في الثانية قال (بأن لهم الجنة) كأنهم اشتروا الجنة فصارت تمليكاً لهم كأن الله تعالى اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنة، هذا تمليك أما في الآية الأولى فليس فيها تمليك فالإدخال ليس بالضرورة أن يكون تمليكاً، الثانية بيع وشراء هذا هو الفوز الأعظم ولذلك قال فيها (ذلك هو الفوز العظيم). في آية الحديد ما ذكر شيئاً من البيع والشراء لأن الفوز قد يكون في أمور أخرى. (والسابقون الأولون) ليس كلها على نمط واحد لكن هو شيء أعظم من شيء. لو رجعنا إلى الآية (والسابقون الأولون الفوز العظيم) وفي آية أخرى في سورة التوبة (وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)) أولاً ما قال مساكن طيبة في جنات عدن وقال ورضوان من الله أكبر ورضوان من الله أكبر من الجنات. الرضوان هو الرضى (الرضوان مصدر) ولم يستعمل في القرآن كلمة الرضوان إلا رضى من الله تعالى أما المرضاة فتأتي من الله ومن غيره والرضوان هو أعظم الرضى وأكبره فخصّه بالله سبحانه وتعالى أما مرضاة فليست مختصة بالله تعالى وإنما تأتي لله تعالى ولغيره (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ (207) البقرة) (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ (1) التحريم) أما الرضوان فهو لله تعالى فقط، خاص بالله تعالى. والرضوان أعلى من الجنة وفي الأثر أنكم لتحتاجون إلى علمائكم في الجنة كما تحتاجون إليهم في الدنيا، فقالوا كيف يا رسول الله؟ قال يطُلّ الله تعالى على عباده أصحاب الجنة فيقول سلوني، فيحارون ماذا يسألونه وكل شيء موجود فينظر بعضهم إلى بعض فيذهبون إلى علمائهم يقولون ما نسأل ربنا؟ فيقول العلماء سلوه الرضى. ولذلك قال (ورضوان من الله أكبر) ولما ذكرها قال (ذلك هو الفوز العظيم) فخي حسب السياق الذي يأتي. هنا في الآية بشرى ونور والله تعالى في آية سمى البشرى فوزاً (لهم البشرى في الحياة الدنيا). وفي هذه الآية نور وبشرى وما إلى ذلك فهو فوز عظيم.