عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴿٥﴾    [الحديد   آية:٥]
(لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (5)) *نظرة عامة على الآية : في الآية التي قبلها ذكر خلق السموات والأرض (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) الصانع قد لا يكون ملكاً، خلق السموات والأرض هو خلقها، هو صنعها. الخلق قد يكون ابتداء أي سوّاها وقد يكون صنعها (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88) النمل) الصناعة لا تقتضي أن يكون ملِكاً، صانع الشيء ليس بالضرورة أن يكون ملكاً حاكماً. الآية الأولى قال (هو الذي خلق السموات والأرض) فعلها وسوّاها، الصانع قد لا يكون ملكاً. هذه الآية قال (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ) يعني هو الملك وليس فقط الصانع، هو الصانع وهو الملك وقلنا أن المُلك هو من الحُكم والملِك من التملك. هذه الآية قال (له ملك السموات والأرض) تدل على المُلك وقبلها يدل على الملكية (هو الذي خلق السموات والأرض). كلمة خلق يصح نسبتها للإنسان (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون) هذا ممكن لأن عيسى  قال (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ (49) آل عمران). هل بالضرورة أن يكون الخالق ملكاً؟ ليس بالضرورة أن يكون ملكاً فأناس كثيرون يصنعون أشياء لكنهم ليسوا ملوكاً. قبلها قال (خلق السموات) هو صنعها (صنع الله الذي أتقن كل شيء) هذه واحدة. والآية بعدها هو ليس صانعاً فقط وإنما هو ملك أيضاً (له ملك السموات والأرض) هو الذي خلق تحديداً وله الملك تحديداً فإذن هو الملك وهو الصانع الذي صنع وهو الملك فلا ملِك سواه لأنه قدّم (له ملك) ليس هناك ملك سواه وإن ملكه ممتد بعد انقضاء الدنيا (له ملك السموات والأرض). (وإلى الله ترجع الأمور): المفسرون يذكرون فيها أمرين: الأمور كلها ترجع إليه وهو الذي يقطع في الأمور ويبتّ فيها والمعنى الآخر إثبات المعاد أي الآخرة (فإذن هو الذي يقطع ويبتّ فيها وليس هنالك ذاتٌ إلا الله حصراً وليس هناك جهة أخرى تقطع في الأمور وتبتّ فيها كل أمور السموات والأرض ترجع إلى الله حصراً هو يقطع فيها. وإثبات المعاد الآخرة. وتقديم الجار والمجرور تفيد الحصر (وإلى الله) لله فقط سواء المقصود المعاد (ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) السجدة) (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) القيامة) إلى الله حصراً لا إلى جهة أخرى. لو قال: ترجع الأمور إلى الله ليس فيها حصر وقد يحتمل أن ترجع إلى شيء آخر. (له ملك السموات والأرض) ملك السموات والأرض له حصراً. التقديم والتأخير إذا كان التقديم على العامل (نقدم الفاعل على الفعل مثلاً صار مبتدأ، نقدم المفعول به على الفعل: أكرمت محمداً، محمداً أكرمت)، نعبدك - إياك نعبد، نستعينك – إياك نستعين، أي حصراً. إياك نعبد أصلها نعبدك فلما قدم الكاف (إياك) صارت العبادة حصراً لله تعالى لذا لم يقل إيانا إهدِ وإنما قال إهدنا الصراط المستقيم لأنه لا يصح ولا يجوز لأنها تعني اهدنا ولا تهدي أحداً غيرنا، خُصّنا بالهداية ولا تهدي أحداً سوانا، إهدنا أي خُصّنا بالهداية مثلما قال الأعرابي لرسول الله : اللهم إرحمني ومحمداً ولا ترحم أحداً سوانا. فلا تقول: إياي ارزق لا تصح ولا تجوز وإنما قُل ارزقني لأن إياي ارزق تعني أنك تطلب الرزق فقط لنفسك. التقديم والتأخير لها دراسة مقصودة وفيها رسائل.