عرض وقفة أسرار بلاغية

  • وقفات سورة الحديد

    وقفات السورة: ١١٣٤ وقفات اسم السورة: ١٨ وقفات الآيات: ١١١٦
*تناسب خواتيم الواقعة مع فواتح الحديد* الواقعة ختمت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)) وفي الحديد (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)). الخطاب في الواقعة كان موجهاً إلى الرسول  سبَّح لله فسبح أنت معهم ونحن أيضاً ينبغي أن نسبح مع المسبحين. *هدف سورة الحديد: التوازن بين المادية والروحانية* السورة مدنية وهي تدل في آياتها على أنه علينا التوازن بين المادية والروحانية وتحدثت السورة عن نوعين من الناس: الماديين الذي أخذتهم الحياة وخاطبهم الله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) آية 16، وتكلمت أن الذين عاشوا في روحانية مطلقة وخاطبهم الله تعالى: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) آية 27، والنموذجين لم يستطيعوا أن يكملوا حمل الرسالة والمنهج. وجاءت الآية بعد خطاب الماديين (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) آية 17 أن الله الذي يحيي الأرض بعد موتها فالله تعالى القادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على أن يحيي القلوب في الصدور. فالسورة تقول مخاطبة أمة محمد: أنتم لا ماديين كبني إسرائيل ولا متفرغين للروحانية كالنصارى إنما أنتم متوازنين بين الإثنين. وفي السورة آية محورية هي من أهم آيات السورة (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) آية 25 (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات): تدل على الروحانية، و(أنزلنا الحديد): تدل على الماديّة. وعليها سميّت السورة: (الحديد) وفي قوله (وليعلم الله من ينصره) إشارة إلى استعمال الحديد في الصناعات وعدة الحروب والغواصات والمدافع والسيوف والرماح. فيا أمة محمد  يا أمة الحديد وأمة الإيمان وازنوا لأن الكون كله متوازن ولذا بدأت السورة بعرض كل المتضادات في الكون وكل شيء متوازن بأمر الله تعالى فهل يعقل أن تكون أمة سورة الحديد ليس لديها تكنولوجيا؟ فعلينا أن نهتم بالصناعات التي فيها قوة الإنسان في السلم وفي الحرب وعدّته في البنيان والعمران. ** لمسات بيانية في سورة الحديد للأستاذ الدكتور فاضل صالح السامرائي** *نظرة عامة: تبدأ سورة الحديد بقوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) هل لها علاقة بما قبلها؟ هي قبلها سورة الواقعة تنتهي بقوله تعالى (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)) وقال بعدها (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) الحشر) يعني لقد سبّح لله فسبِّح أنت، توافق مع ما في السموات والأرض، هؤلاء كلهم سبحوا الله سبحانه وتعالى فسبِّح أنت باسم ربك العظيم. لا شك أن هذه مناسبة بيانية لطيفة. علاقتها بما بعدها؟ بعض الذين كتبوا في القرآن قالوا: القرآن في إتصال بعضه ببعض وقالوا كالسورة الواحدة ثم قالوا بل كالآية الواحدة بل قالوا كالكلمة الواحدة في كونه متصلاً بعضه ببعض. وقال الرازي " هو كالكلمة الواحدة في توافقه وإتصال بعضه ببعض". فعلاقة السورة بما بعدها: خاتمة السورة هي (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)) وتأتي بعدها سورة المجادلة (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)) نسأل: جبار السموات والأرض ملك الملوك يسمع لشكوى امرأة لم يجد لها الرسول  مخرجاً أليس هذا من الفضل العظيم؟ جبار السموات والأرض ملك الملوك يسمع لخولة بنت ثعلبة تجادل في زوجها أوس ابن الصامت فإذن أولاً من أعظم الفضل أن يسمع الله سبحانه وتعالى لهذه المرأة ويذكر لها مخرجاً والرسول  لم يذكر لها مخرجاً وإنما قال "لا أراك إلا قد حرُمتِ عليه"، هذا أمر. والأمر الآخر الآية الأولى في سورة المجادلة (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) قال تعالى (يسمع) ولم يقل يعلم لأن العلم قد تكون بعيداً عنه وتعلم أما السمع فيدل على القُرب. في أوائل سورة الحديد قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)) هو معكم، إذن يسمع تحاوركما، الذي معك يسمع التحاور إذن هناك إرتباط. في آية المجادلة قال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أليس هذا مرتبطاً بقوله تعالى في سورة الحديد (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)؟ إذن الإرتباط واضح ظاهر سواء كان في خاتمة السورة السابقة أو في بداية السورة اللاحقة. إذن هذا الترتيب هو ترتيب توقيفي وهذا الذي عليه الجمهور. والعرب كانت تفهم هذا الكلام وتفهم أكثر مما نفهم لكن فقط الناحبة العلمية والمكتشفات العلمية هذا أمر آخر. لكن من حيث البلاغة هم يفهمون أكثر مما نفهم لذلك عندما تحداهم بسورة قصيرة كالكوثر أو العصر أو الصمد (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) لم يفعلوا، سور قصيرة ليس فيها تشريع ولا قصص ولا تاريخ لكنهم سكتوا وعجزوا معناه أنهم كافرهم ومسلمهم يدركون من أمور البلاغة ما لا ندركه نحن.