عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ ﴿٨﴾    [الطور   آية:٨]
*ما الفرق بين (مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8) الطور) و(لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) المعارج)؟ لماذا استعمل مرة (ليس) ومرة (ما)؟ سؤال طريف حقيقة يدل على تنبّه أنه كلتا الآيتين تنفي وجود الدافع عن العذاب. العذاب واقع ففي الآية الأولى لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب وفي الآية الثانية لا يوجد شيء سيمنع هذا العذاب. لكن صيغة التعبير مرة جاءت (ما له من دافع) ومرة جاءت (ليس له دافع) فهو من حقه أن يسأل حقيقة لأنها تلفت النظر. بشكل أولي حقيقة نحن عندنا تأكيد الجمل : الجملة الإسمية آكد وأقوى من الجملة الفعلية. (ليس) فعل فحينما تنبني مع مبتدأ وخبر تكون الجملة فعلية ولذلك الجملة مع (ليس) أقل توكيداً. أنت تقول: ليس زيدٌ حاضراً في نفي حضور زيد لمن ليس في ذهنه شيء لكن إذا كان شاكّاً فلك أن تقول له: ليس زيدٌ بحاضر لك تؤكده بالباء ولك أن تنتقل من الجملة الفعلية إلى الجملة الإسمية فتقول: ما زيد حاضراً لأن (ما) حرف فدخولها على الجملة لا ينقلها من إسميتها إلى الفعلية. (ما زيدٌ حاضراً) آكد من (ليس زيد حاضراً) فيها تأكيد. الآية الأولى استعملت(ما له من دافع) (ما) فالجملة الإسمية، (ليس له دافع) الجملة فعلية، فالآية التي في سورة الطور آكد يعني فيها تأكيد من الجملة التي في سورة المعارج. لكن يبقى السؤال: طبعاً هنا (ما له من دافع) (من) التبعيضية يعني فيها زيادة تأكيد حتى جزء دافع ما له. (ما و من) بدل (ليس). لو قال: (ماله دافع) ستكون مجرد تأكيد بينما (ما له من دافع) زيادة في التأكيد. يبقى السؤال: السياق الذي وردت فيه الآيتان: لما ننظر فيه نجد أن الآية الأولى التي في الطور فعلاً تنسجم مع شدة التوكيدات والآية الثانية أصلاً ليس فيها توكيد. نلاحظ الآية الأولى في الطور تبدأ السورة بقسم والقسم توكيد، لما تقسم على شيء فأنت تؤكده فإذن فالجو جو تأكيد (وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)) قسم لتذكير بيوم القيامة (إن عذاب ربك لواقع) و(إنّ) تأكيد مشددة واللام (لواقع) مؤكدة، لاحظ المؤكدات فالجو جو توكيد فجاء (ماله من دافع) فجاءت منسجمة مع الجو العام للسورة التي هي تعيش في توكيدات. لكن لما نأتي إلى السورة الثانية سورة المعارج (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)) هكذا تبدأ السورة فليس فيها جو توكيدات حتى يؤكد. هناك الجو بكامله جو تأكيد فاستعمل الصيغ التي تتناسب مع جو السورة ونحن دائماً نقول حقيقة الكلمة تناسب جو السورة ،الآية تناسب جو السورة هناك تناسب. لما ننظر هنا لاحظ (سأل سائل) كلام اعتيادي لماذا؟ هذا سائل والسائل هنا لا يعني المستفهم وإنما يعني الذي يدعو، هذا شخص لم يذكره القرآن الكريم من هو على عادته في إفال ذكر الأشياء التي لا أهمية لها. (سأل سائل) يعني دعا على قومه ونفسه بالعذاب وهذا معنى سأل والعذاب واقع ، العذاب سيقع سواء هو سأله أو لم يسأله واقع على الكافرين لا محالة. هل أفادت التعدية بالباء معنى التكذيب؟ التعدية بالباء في (بعذاب) حقيقة سأل بالشيء يعني كأنه دعا به لبيان أن هذا الفعل قد استُخدم في معنى آخر غير المعنى الأساسي الذي هو الاستفهام لكن هذا السؤال هو دعاء أيضاً أو طلب فهو طلب هذا العذاب لكن حمّله معنى الدعاء أنه طلب بدعاء فدخلت الباء كما تدخل على الفعل دعا (دعا بكذا على قومه).