عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٦٩﴾    [العنكبوت   آية:٦٩]
**** تناسب فواتح العنكبوت مع خواتيمها**** قال في أولها (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) وفي آخرها قال (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)) يعني الفتنة من الجهاد. الجهاد هنا بمعناه العام وليس القتال وحتى في القرآن الجهاد معناه عام (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي (15) لقمان). هذا بحد ذاته نوع من الفتنة. يذكر (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) في مفتتح السورة ثم يفسر كيف تكون الفتنة في عملية الجهاد (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) اصبر اصبر (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ). *****تناسب خواتيم العنكبوت مع فواتح الروم***** قال في آخر العنكبوت (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)) وقال في أول الروم (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)) عاقبة المجاهدة النصر، المجاهِد يريد النصر وإن الله مع المحسنين (المعية) ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله وعاقبة الجهاد النصر ينصر من يشاء هذه في بدر وإن ذكرنا (غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)) لأن انتصار الروم على الفرس حدث في وقت إنتصار بدر، فذكر أمران، وعد بأمرين الروم هزموا الفرس (غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ) هذا الأمر الأول (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ). هو ذكر وعدين ودليلين علامتين من علامات النبوة في إشارة واحدة. قال في آخر العنكبوت (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)) وقال في الروم (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)) هو الذي خلق السموات والأرض وهو الذي ينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض هو الخالق وهو المتصرف، هو خالقهما والمتصرف فيهما ينزّل ويحيي. قال في أواخر العنكبوت (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)) وفي الروم قال (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)) إحداهما في الروم والأخرى في العنكبوت. وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون - يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. في العنكبوت الخطاب لكل الناس وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ولكن أكثر الناس لا يعلمون كأنها إجابة على النقطة السابقة في سورة العنكبوت، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. سؤال: هل لهذا الغرض وضعت الآيات والسور بهذا النسق في القرآن؟ لا نستطيع أن نقول إلا أنه توقيفي، توقيفي بمعنى أن جبريل  هكذا قرأه على الرسول  و قرأه الرسول  على جبريل الذي كان يعارض الرسول  القرآن في كل رمضان مرة ومرتين في العام الذي توفي فيه ، قرأه الرسول  على جبريل مرتين بهذا النسق استفتح بالفاتحة ثم البقرة وآل عمران والنساء. فمن هذه الناحية الترتيب توقيفي يبقى الربط هذا اجتهاد يمكن أن يكون هنالك ما هو أفضل من هذا الاجتهاد والتعليل وأعمق مما نذكره نحن وأكرر أن هذا اجتهاد تعليل ولا شك أن هذا له حكمة قد يطلع عليها بعضهم أو لا يطلع (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ (83) النساء) ومما لا شك فيه أن الآيات القرآنية في ترتيبها وفي صياغتها وفي منطوقها فيها إعجاز بياني ظاهر كالقوانين الرياضية هذه حقيقة واضحة لمن له بصر في اللغة. 