عرض وقفة أسرار بلاغية

  • وقفات سورة فصلت

    وقفات السورة: ١٢٠٢ وقفات اسم السورة: ١٥ وقفات الآيات: ١١٨٧
*تناسب خواتيم غافر مع فواتح فصلت* في أواخر سورة غافر ذكر عاقبة الذين كفروا في الدنيا (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)) إلى أن قال (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)) وفي أوائل فصلت ذكر إعراض قريش وحذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب من ذكرهم منذ قليل فقال (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)) إلى أن قال (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13))، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (82) غافر) - (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) فصلت). **الهدف العام لللحواميم: أنتم مسؤولون عن الرسالة: واجبات ومحاذير** هذه السور السبع يطلق عليها اسم الحواميم لآنها ابتدأت كلها بـ (حم) وقد قيل الكثير عن الأحرف المقطعة في القرآن الكريم ولعل من أبلغ ما قيل أن الله تعالى يتحدّى بهذه الحروف العرب أهل اللغة والشعر بأن هذه هي نفس الحروف التي تعرفونها وتنظمون الشعر البليغ منها وقد أنزل الله بها القرآن المعجز الذي عجزتم عن الإتيان بعشر سور أو سورة واحدة منه. فمع أن الحروف متوفرة هي هي التي أنزل بها القرآن إلا أنكم لا يمكنكم أن تأتوا بمثله وكأن القرآن روح لذلك قال تعالى (وكذلك أوحينا لك روحاً من أمرنا) والحواميم تشترك في محاور كثيرة ولذا جاءت متتابعة الترتيب، ومن الملاحظ أن سورة البقرة وآل عمران والعنكبوت كلها ابتدأت بـ (ألم) وهي مشتركة فيما بينها بأن البقرة أعطت المنهج وكل آياتها فيها (ألم) وآل عمران أوصت بالثبات على المنهج وكل آياتها فيها (ألم) والعنكبوت ركّزت على المجاهدة من أجل تحقيق المنهج فكأنما هذه الأحرف المقطعة في أوائل السور هي بمثابة رمز (أو كود) لما يجمعهم. وتشترك الحواميم في صفات كثيرة: 1. كلها سور مكّية. 2. كلها افتتحت بقيمة القرآن: سورة فصّلت:( تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آية 2 ، سورة الشورى: (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) آية 3، سورة الزخرف: (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) آية 2، سورة الدخان: (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ) آية 2، سورة الجاثية: (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آية 2، سورة الأحقاف: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آية 2. 3. كلها ذكرت موسى  ودوره في دعوة قومه من بني اسرائيل إلى الله: سورة فصّلت: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ) آية 45 ، سورة الشورى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) آية 13، سورة الزخرف: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ) آية 46، سورة الدخان: (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) آية 18، سورة الجاثية: (مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آية 10، سورة الأحقاف: (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) آية 12. 4. كلها ركّزت على الوحدة وحذّرت من خطورة الفرقة. سورة فصّلت: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ) آية 45 ، سورة الشورى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) آية 10، سورة الزخرف: (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) آية 63، سورة الجاثية: (وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) آية 17، 5. كلها تحدثت عن انتقال الرسالة من بني اسرائيل إلى أمة محمد .: سورة الشورى (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) آية 13، سورة الجاثية (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) آية 18، سورة الأحقاف (وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) آية 12. 6. كلها ركّزت على أهمية الصفح والإمهال: سورة الشورى: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) آية 23، سورة الزخرف: (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) آية 89، سورة الدخان: (فَارْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ ) آية 59، سورة الجاثية: (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ) آية 14، سورة الأحقاف: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ) آية 35 الهدف الرئيسي الذي يجمع هذه السور الستة هو: أنتم يا أمة محمد مسؤولون عن الرسالة مسؤولية نهائية ولكن هناك واجبات ومحاذير، وهذا الهدف مختلف هن هدف سورة البقرة لأن في سورة البقرة كان الهدف عرض المنهج فقط بدون أية توصيات مفصّلة. أما في الحواميم فكل سورة من السورة تأتي لتعرض جانباً من التوصيات للمنهج وهي كلها عبارة عن تحذيرات وواجبات يجب أن يراعيها من سيتولى المسؤولية في الأرض على الرسالة وعلى المنهج الذي شرّعه الله تعالى للإستخلاف في الأرض. سورة فصّلت: سميّت بهذا الإسم لأن الله تعالى فصّل بها الآيات ووضح فيها الدلائل على قدرته ووحدانيته وأقام البراهين القاطعة على وجوده وعظمته وخلقه لهذا الكون البديع الذي ينطق بجلال الله وعظيم سلطانه. وفيها وعد الله تعالى للبشرية بأن يطلعهم على بعض أسرار هذا الكون في آخر الزمان ليستدلوا على صدق ما أخبر عنه القرآن وهذا لا يتحقق إلا إذا تدبّروا وتفكروا في عظيم خلق الله تعالى في كونه بعد أن أرشدهم إلى آيات الخلق الباهرة في الكون الفسيح. خلاصة الحواميم: إياكم والكبر والفرقة والإنخداع بالمظاهر المادية واحرصوا على الشورى حتى تقودوا الأرض بما عليها وتطبقوا منهج الله تعالى كما أراده في كونه حتى تنعموا في الدنيا والآخرة. .