عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ﴿١٥﴾    [مريم   آية:١٥]
آية (15): * ورتل القرآن ترتيلاً : (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)) انظر إلى هذه العناية الإلهية التي أحاطت بسيدنا يحيى عليه السلام. فهو محاط بالأمن والسلام الإلهي في مختلف مراحل حياته وبعد مماته ومكلوء بالرحمة في كل لحظة. ألا ترى كيف عبّر ربنا عن ذلك بيوم الولادة إلى يوم الوفاة وأتبعه بيوم حشره وبعثته ليكون ذلك عاماً له دونما استثناء. *ما الفرق بين سلام والسلام في قوله تعالى (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) مريم) و (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) مريم) ؟(د.فاضل السامرائى) السلام معرفة والمعرفة هو ما دلّ على أمر معين، وسلام لك والأصل في النكرة العموم إذن كلمة سلام عامة وكلمة السلام أمر معين. لما نقول رجل يعني أيّ رجل ولما نقول الرجل أقصد رجلاً معيناً أو تعريف الجنس. الأصل في النكرة العموم والشمول. إذن (سلام) أعم لأنها نكرة وربنا سبحانه وتعالى لم يحييّ إلا بالتنكير في القرآن كله مثل (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (59) النمل) (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) الصافات) (سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) الصافات) حتى في الجنة (سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58) يس) حتى الملائكة (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر) ربنا تعالى لم يحييّ هو إلا بالتنكير لأنه أعم وأشمل كل السلام لا يترك منه شيئاً. (سلام عليه) هذه تحية ربنا على يحيى والآية الأخرى عيسى  سلم على نفسه وليس من عند الله سبحانه وتعالى، سلام نكرة من قبل الله تعالى والسلام من عيسى  وليس من الله تعالى والتعريف هنا (السلام) أفاد التخصيص. ويقولون تعريض بالذين يدعون أن مريم كذا وكذا فقال (والسلام علي) رد على متهمي مريم عليها السلام. *ما اللمسة البيانية في استعمال كلمة (سلام) و(السلام) في سورة مريم في قصتي يحيى  وعيسى؟(د.فاضل السامرائى) قال تعالى في سورة مريم في قصة يحيى  (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً {15})، أما في قصة عيسى  فقال تعالى (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً {33}) السلام معرفة وسلام نكرة والنكرة عادة تدل على الشمول والعموم والمعرفة تدل على الإختصاص. فكلمة سلام أعمّ من السلام ولذلك تحية أهل الجنة هي (سلام) وهي كلها جاءت بالتنكير وتدل على السلام العام الشامل (سلام عليكم) (تحيتهم يوم يلقونه سلام) وتحية أهل الجنة سلام وتحية الله تعالى لعباده سلام (سلام على موسى وهارون) ولم يحيي الله تعالى عباده المرسلين بالتعريف أبداً وجاء كله بالتنكير سواء في الجنة أو لعباده وتحية سيدنا يحيى  هي من الله تعالى لذا جاءت بالتنكير أما تحية عيسى  فهي من نفسه فجاءت بالمعرفة. وهناك أمر آخر هو أن تحية الله تعالى أعمّ وأشمل وعيسى  لم يحيي نفسه بالتنكير تأدباً أمام الله تعالى فحيّى نفسه بالسلام المعرّف.