عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿٩٨﴾    [النحل   آية:٩٨]
  • ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٩٩﴾    [النحل   آية:٩٩]
آية (97-99): *الاستعاذة: (د.حسام النعيمى) قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)). (من) عامة تستعمل للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع والمثنى ولفظ (ذكر أو أنثى) يفيد الجنس أي كل الذكور والاناث باختلاف أعمارهم. (وهو مؤمن) الكلام على الافراد ويشار بصيغة المذكر بتغليب المذكر لجماعة فيها ذكور وإناث وهذه لغة العرب. (فلنحيينه) خطاب بالفردية (حياة طيبة): هذه لمسة للانسان يريد أن يحيا حياة طيبة والجزاء جزاء جماعي (ولنجزينهم أجرهم) ففي الآيات مزاوجة بين الفردية والجماعية. ثم قال تعالى (فإذا قرأت القرآن) الفاء رابطة ترتب على شيء من الآية التي قبلها (أحسن ما كانوا يعملون) فالقرآن يدل الانسان على أحسن الأعمال. (القرآن) الذي هو المرشد. استعمال (إذا) ظرف تحقيق(إذا جاء نصر الله والفتح). وهناك فرق بين استعمالها ومعناها واستعمال (إن) التي تستعمل عندما يكون الاحتمال قليل وتفيد الترجيح والشك (فإذا قرأت القرآن) يعني أنت تقرأ القرآن ولو قال (فإن قرأت القرآن) فكأنما يرخّص بعدم قراءة القرآن.. هذا الخطاب لكل مخاطب (فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) الفاء هنا (فاستعذ) جواب الشرط الأمر بالاستعاذة وفيها معنى اللجوء والاندفاع الى حصن حصين الى الله تعالى والأمر عندما يكون للرسول  فهو من باب أولى للمسلمين كما علّمنا رسول الله  في احاديث الاستغفار كان  يستغفر الله تعالى في اليوم أكثر من سبعين مرة لم يكن يستغفره لذنب ولكن لكي يعلّم أمته الاكثار من الاستغفار. صيغة فعل الأمر على وزن (استفعل) فيها معنى الطلب والجهد وتعني أنك تبذل جهداً في تفريغ قلبك باللجوء الى الله تعالى تخلصاً من الشيطان الرجيم. ولم تأتي بصيغة (قل أعوذ بالله) لأن هذا القول تلقين وليس فيه جهد. لماذا استخدم فعل (استعذ) ولم يقل الجأ أو اجأر أو احتمي؟ الاستعاذة فيها جانب مادي ومعنوي ومع الله تعالى نأخذ الجانب المادي وعندما تعوذ بشيء مثلاً إذا رُمي الانسان بسهم يعوذ بشجرة وهذا أمر مادي ونحن نستحضر قوة الله تعالى ولفظ تستعيذ يختلف عن معنى أية كلمة أخرى والعربي يعرف معنى كلمة الاستعاذة ولهذا عندما سمع (فاستعذ) قال: أعوذ بالله ولم يقل استعيذ التي فيها معنى الطلب والجهد وبذل الجهد في أن أعوذ بالله وليس هذا هو المطلوب وإنما المطلوب أن تكون في عملية عوذ (أعوذ) يدل على الحال والاستقبال والله تعالى يريد لك أن تكون تعوذ فعندما يقول تعالى فاستعذ بالله قالوا أعوذ بالله أو نعوذ بالله اي نحن الآن في حالة عوذ وهذا اختيار بلاغي دلالي. (بالله) لم يقل بالرحمن أو بأية صفة أخرى من صفات الله تعالى أو اسمائه الحسنى لأن الاستعاذة تحتاج لقوة واسم الله تعالى (الله) هو الاسم الوحيد الذي انفرد به تعالى والباقي هي صفات واستخدام لفظ الجلالة مع الاستعاذة حتى يكون الله تعالى بكل صفاته وبكل ما فيها وعندما تستعيذ بالله تشعر بضعفك وتستعيذ من الشيطان الذي أقسم أن يغوي الناس إلا عباد الله المخلَصين لماذا استخدام لفظ الشيطان بدل ابليس مثلاً؟ يقولون ابليس من البَلَس الذي هو نوع من الخنس والاختباء وهذا المعنى لا ينسجم مع المعنى في الآية أما كلمة الشيطان فهي من الشطن والامتداد فكأنه يمتد اليكم وليس خائفاً خانعاً مبلساً ولهذا نقول دائماً كل كلمة في كتاب الله تعالى مرادة مقصودة لذاتها. لماذا جاء الوصف هنا بالرجيم؟ التخويف من الشيطان يجعل قلب المسلم في هيبة كبيرة من هذا المخلوق فأنت لجأت الى الله وعُذت به لكن لا تتصور أن الشيطان بهذا الجبروت تُرِك على جبروته فهو ذليل مرجوم. وبالعودة الى اوصاف الشيطان في القرآن كلها لا تنسجم مع معنى آية الاستعاذة. فنجد صفة الكفور ولم تستعمل هنا لأن الكفور قد يكون متجبراً وكافراً لكن ليس فيه اذلال وجاءت صفة أنه عدو مبين وللرحمن عصياً (صفة العاصي) وللانسان خذولا (مارك متمرد ومريد) وكل هذه الصفات لا تعطي صورة الإذلال والضرب بالحجارة من السماء أي الرجم (وجعلناها رجوماً للشياطين) فاختيار كلمة الرجيم لتقليل شأن الشيطان وإذلاله حتى لا تكون للشيطان منزلة مخيفة وأكذّ على ذلك قوله تعالى في الآية التي تلت (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)) . وأكّد على ضعف الشيطان في الآية بعدها حيث يعود للجمع (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) فالمناوبة بين الإفراد والجماعة هي مناوبة والتفات لغاية وحكمة أن الحياة الطيبة يريدها الانسان وجزاء الجنة جزاء جماعي لا فردي والاستعاذة من الشيطان أمر فردي لكن جعلك جزءاً من مجموع لا يقدر عليهم الشيطان (الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون). نقف عند المناوبة بين الفردية والجماعية في آيات سورة النحل: الفردية(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا )( وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ ) ثم الجماعية (ولنجزينهم) ثم انتقل الى الفردية (فإذا قرأت القرآن) ثم الجماعية (الذين آمنوا وعملوا الصالحات وعلى ربهم يتوكلون) الفردية في الحياة الطيبة للإنسان والجماعية أن دخوله الجنة والجزاء لن يكون فرداً وإنما يكون في جماعة وفي زمرة ثم اللجوء الى الله تعالى والاستعاذة والاتكال عليه تخلصاً من كيد الشيطان فردية لأنه ينبغي على المسلم أن يلجأ بمفرده الى ربه. ومن اللطائف أن القرآن الذي تحدث في هذه الآيات وفي غيرها (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى) التي تظهر مكانة المرأة في الاسلام ذكر الدكتور مصطفى السباعي في كتابه المرأة بين الفقه والقانون أنه في الغرب عقدت مؤتمرات في الوقت الذي تحدث القرآن عن مكانة المرأة تبحث في مسألة إذا كانت المرأة انسان أوغيرانسان ثم توصلوا إلى أنها انسان لكنها خُلِقت لخدمة الرجل وفي بلدآخر صدر قانون في 1830م يمنع الرجل من بيع زوجته فلننظرمن كرّم المرأة؟ القرآن أم الغرب الذين يتحدثون عن حقوق المرأة وينتقدون الاسلام!المرأة في الاسلام مكرّمة.