عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿٣٨﴾    [النور   آية:٣٨]
آية (38): * د. فاضل السامرائي : في القرآن الكريم لا تجد (وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) في خطاب المؤمنين البتة، إما لخطاب الكافرين أو لعموم الخلق. *هل هذا شيء من التهديد والوعيد؟ لا، هي من باب العدل. مثال (وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) سبأ) (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (147) الأعراف) (وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90) النمل) ما جاءت للمؤمنين مطلقاً. *مع أنك من قريب تفضلت أن الجزاء يكون لهذا وذاك؟ أصلاً كلمة الجزاء ممكن لكن (ما كانوا يعملون) هذه المسألة. ممكن أن تكون لعموم الخلق (لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ (51) إبراهيم) لكن للمؤمنين لا، (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) الجاثية) (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) عموم الخلق، يعني من جنس ما تعمل لكن بمقدار ما تعمل لم ترد للمؤمن إنما قال تعالى (لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (121) التوبة) ما قال ما كانوا يعملون وإنما أحسن ما كانوا يعملون (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ (38) النور) أما (ما كانوا يعملون) فلا، (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا (40) غافر) (وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) القصص) السيئة مثلها أما الحسنة فله عشر أمثالها أو فله خير منها. التعبير بالباء يرد للمؤمن والكافر لأنه سبب، المؤمن والكافر يعملون بالسبب. لكن (إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فهي للكافرين أو لعموم الخلق ويستثني المؤمنين منهم، عموم الخلق لأن الجزاء من جنس العمل يدخل في المعنى الثاني من المعاني التي ذكرناها. *الدلالة تتغير بحسب المقصود. ماذا يسمى هذا الأسلوب في اللغة؟ هذا من خصوصيات الاستعمال القرآني لأنه وضع أمر رفع الاحتمال يعني في آية يس (ما كنتم تعملون) لو خاطب المؤمنين (وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54)) سيكون فيها احتمال أنهم يجزون بمقدار ما كانوا يعملون وإن كان فيها احتمال المقصود جنس العمل ولكن حتى ينفي هذا الاحتمال عدل عن هذا التعبير فإذن لا تجزى بمقدار ما كانوا يعملون ولذلك حتى لا يكون في الذهن أن المقصود به عند مخاطبة المؤمن أنه يُجزى بمقدار ما يعمل لم يات بهذا للمؤمن. هي فيها احتمالين فحتى يرفع الإحتمال هذا مطلقاً ويبقى الاحتمال الذي نص عليه القرآن وهو أن الحسنة تجزى بخير منها. أما تلك فهي عامة (إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ (120) الأنعام) (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ (157) الأنعام) لكن المؤمن فليس فيه هذا الشيء (لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (121) التوبة) (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97) النحل) بأحسن.