عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿٣٥﴾    [النور   آية:٣٥]
آية (35): *(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) النور) ما اللمسات البيانية في هذه الآية؟(د.فاضل السامرائى) نشير إلى الآية إشارة لغوية لأن فيها كلام كثير. المعنى العام أن الله هادي أهل السموات والأرض يمثل ربنا تعالى نوره المشكاة هي كوة لا منفذ لها فرجة في الحائط لا منفذ لها إسمها كوّة مشكاة ليست مفتوحة إذا كانت مفتوحة تسمى نافذة. إذن هذه المشكاة فرجة في حائط ليست نافذة. هذه المشكاة فيها مصباح، المصباح هذا في زجاجة هذه الزجاجة كأنها كوكب مضيء ضخم دري ساطع (دري كوكب مضيء ضخم ساطع يقولون هو من الدُرّ) وأنا أميل أن دري يعني مضيء. هذا المصباح الذي له زجاجة بهذا الشكل كأنها كوكب دري ساطع ضخم يوقد من شجرة (المصباح يوقد من زيت) هذا الزيت يوقد من شجرة مباركة (لا شرقية ولا غربية) يعني هي في الوسط لا شرقية هي في الوسط فقط يصيبها ضوء الشمس صباحاً ولا غربية يصيبها ضوء الشمس عند المساء فقط وإنما هي في الوسط، يعني هي في المنتصف في صحراء (لا شرقية ولا غربية) هذه مسألة مكانية الشمس تفرعها من أول النهار إلى آخره ليست في الشرق فقط فتتحول الشمس عنها وإنما الشمس مستمرة عليها كل النهار فيكون زيتها عادة أصفى الزيوت وهذا معروف لدى الناس الشجرة لا شرقية ولا غربية زيتها أصفى الزيوت، هذا الواقع وليس تعبيراً على المجاز. (نور على نور) يعني الإنارة مضاعفة، المشكاة فيها نور والمصباح والزجاجة والزيت الصافي هذا نور مضاعف. مكشاة فيها هذا المصباح لا يبقى فيها شيء مستور ولا يبقى فيها شيء خافي والكون كله من أهل السموات والأرض عبارة عن مشكاة بالنسبة لنور الله تعالى. لا يبقى فيها شيء خافت، السموات والأرض عبارة عن مشكاة بالنسبة لنور الله تعالى، هذا من حيث اللغة فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس فإذن هذا الكون كله عبارة عن مشكاة صغيرة لا يبقى فيه شيء خافت فالله نور السموات والأرض هادي أهله. سؤال: هذا التمثيل ليس على الحقيقة وإنما لتقريب الصورة إلى الأذهان؟ نعم لكن نحن لو تضورنا مشكاة فيها هذا النور لا يبقى فيها شيء مستور ولا شيء خافت. *ما دلالة إستخدام كلمة (نور) في الآية (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ (35) النور) ولم لم يستخدم ضياء مع أن الضياء أقوى وأعمّ؟ (د.فاضل السامرائى) في اللغة هل الضياء نور؟ الضياء نور والضياء حالة من حالات النور، إشتداد النور، النور واسع يمتد إبتداء من نور الفجر ويمتد إلى أن يكون ضياءً. نقول نور الشمس ونقول ضياء الشمس (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا (5) يونس) كلمة النور عامة والضياء حالة من حالات النور. النور أعمّ من الضياء والضياء ليس مغايراً للنور وإنما هو حالة من حالات النور وهو حالات الإشتداد. النور قد يكون مشتداً ويسمى ضياءً وقد يكون غير مشتد فيسمى نوراً. (الشمس ضياء) يعني حالة مشتدة من حالات النور. نحن نتكلم في لسان العرب. النور نقول الآن مكتسب وغير مكتسب هذا أمر آخر. القمر أليس نوراً؟ والشمس أليست نوراً؟ كلاهما نور لكن الشمس أشد إذن هي الضياء. النور أعمّ يشمل الضياء وغير الضياء، هذا واحد وهناك حالات من النور نحن لا نعلمها، مثال: يذكر تعالى في القرآن الكريم (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (54) الرحمن) قالوا هذه البطائن فما الظواهر؟ قالوا هي من النور الجامد. هذا النور الجامد هل نعرفه؟ هل رأيناه؟ إذن هذه حالة لا نعلمها. لما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"المتحابون في الله على منابر من نور يوم القيامة" أي نور؟ كيف نجلس على منابر من نور؟ هذه حالة لا نعلمها. إذن النور أوسع. إذن كيف نصف الله سبحانه وتعالى؟ بحالة جزئية؟! لا وإنما نصفه بالنور. هناك حالات لا نعلمها من النور فكيف نصف الله تعالى بحاتلة جزئية؟ لا نصفه بالضياء، بحالة جزئية، لا يصح فالله تعالى مطلق ويوصف بالمطلق. الضياء حالة واحدة من النور وهناك نور لا نعلمه. إستخدام النور والضياء في القرآن هو بحسب السياق. *(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (35) النور) الله مبتدأ ونور السموات خبر والخبر فيه معنى الصفة فهل يمكن أن يوصف لفظ الجلالة بالنور وهو من المحدثات لأن النور حادث؟ أو هل ممكن أن تكون كلمة نور مصدر بمعنى إسم الفاعل حتى لا يوصف لفظ الجلالة بشيء هو من المحدثات؟ هل يمكن أن ينسب لفظ الجلالة إلى النور وكيف نفسر كلمة نور؟ (د.فاضل السامرائى) السؤال هو أن النور محدث أو حادث فكيف ننسبه إلى الله؟ أولاً صفة القديم قديمة، يعني نور الله لو كان المقصود هو النور كما أن علم الخلق حادث وعلمه قديم فنور المحدثات حادث ونوره قديم، لو فسرنا النور بالنور ليس فيها إشكال وصفات الله سبحانه وتعالى قديمة مثله هو علمه وقدرته على أساس أن النور صفة من صفات الله فليس فيها إشكال إذن، نور المحدثات حادث ونور القديم قديم، علم المحدثات حادث وعلم القديم قديم. لكن ما المقصود بالنور؟ هذا ما اختلف فيه المفسرون. قسم يقول نور معناه موجد يعني أظهره إلى الوجود كما أن النور يظهر الأشياء ويبينها وقسم فسره أنه هادي من الهداية، أي هادي السموات والأرض وما فيهما كل شيء هو يهديه. لو أكملنا الآية (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)) يهدي الله لنوره من يشاء، فلما يهدي الله لنوره من يشاء فهذا يقوّي معنى الهداية، يقول يهدي الله لنوره في نفس الآية فترجيح معنى الهداية فيه قوة وأنا أميل لهذا المعنى من تكملة الآية (نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء) فيترجّح والله أعلم أن المقصود الهداية الله سبحانه وتعالى يهدي ما في السموات والأرض يهدي كل شيء إلى ما يقومه ويصلحه، يهدي الحيوانات إلى أساليب معيشتها وبقائها واستمرارها. سؤال: لما قال أبو تمام (فالله قد ضرب الأقل لنوره مثلاً من المشكاة والنبراس) ألا يمكن لأن نفهم أنه ويضرب الله الأمثال أن هذا مثل؟ هذا مثل يضربه تعالى ولذلك كتب في مشكاة الأنوار للغزالي وكتب فيه الصوفية. قسم قال نور في قلب المؤمن ودخلوا في أمور كثيرة. في هذا السياق والله أعلم لما قال تعالى (نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء) أن النور يعني الهداية في هذه الآية، الله نور السموات والأرض يعني هاديهما وهادي من فيهما وما فيهما. وهذا التعبير يجوز في اللغة ولله المثل الأعلى نقول نور البيت يهتدي فيه من فيه، مصباح البيت يهتدي به أهل البيت، نور السموات والأرض يهتدي به من فيهما. نحن نقول مصباح الغرفة. القرآن يستعملها من حيث الاستخدام اللغوي (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ (122) الأنعام) هذا من باب التشبيه أن الضلال يُستعمل له الظلمات والنور للهداية. * هل كل ما جاء عطف بيان يُعرب بدلاً؟ (د.فاضل السامرائى) عطف البيان عو قريب من البدل نقول مثلاً: أقبل أخوك محمد، محمد يمكن أن تُعرب بدل أو عطف بيان. لكن هنالك مواطن ينفرد فيها عطف البيان عن البدل. وقسم من النحاة يذكرون الفروق بين عطف البيان والبدل ثم يقول أشهر النحاة بعد ذكر هذه الفروق:" لم يتبين لي فرق بين عطف البيان والبدل". عطف البيان على أي حال قريب من البدل ويصح أن يُعرب بدل إلا في مواطن: • عطف البيان لا يمكن أن يكون فعل بينما البدل قد يكون فعلاً. • عطف البيان لا يمكن أن يكون مضمراً أو تابعاً لمضمر (ضميراً أو تابع لضمير) بينما البدل يصح أن يكون . • عطف البيان لا يمكن أن يكون جملة ولا تابع لجملة بينما البدل يمكن أن يكون كذلك. وهناك مسألتين أساسيتين يركزون عليهما: 1. البدل على نيّة إحلاله محل الأول. 2. البدل على نية تكرار العامل أو على نية من جملة ثانية. على سبيل المثال وحتى لا ندخل في النحو كثيراً نقول: يا غلام محمداً هذه جملة صحيحة الغلام اسمه محمد هذا لا يمكن أن يكون بدلاً لأنه لا يصح أن يحل محل الأول لأننا قلنا سابقاً أن البدل على نية إحلاله محل الأول ومحمد علم مفرد يكون مبني على الضمّ مثل (يا نوحُ) (يوسفُ أعرض عن هذا) ولا نقول يا محمداً. وكذلك إذا قلنا: يا أيها الرجل غلام زيد. لا يمكن أن يكون بدل فلو حذفنا الرجل تصير الجملة يا أيها غلام زيد لا تصحّ. فليس دائماً يمكن أن يُعرب عطف البيان والبدل أحدهمامكان الآخروإنما هناك مواطن يذكرها النحاة لكننا نقول أن عطف البيان موجود في اللغة. وفي قوله تعالى في سورة النور (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ) الكثير يعربون زيتونة عطف بيان . وعطف البيان مثل الصفة يجب أن يتفق مع ما قبله ولا يختلفا تنكيراً وتعريفاً أما في البدل فيجوز الاختلاف. وعطف البيان تابع من التوابع نقول عطف بيان والمعطوف عليه (ما قبله). العطف إما ذو بيان أو نسق والغرض الآن بيان ما سبق ومع ذكر كل الفروق بين عطف البيان والبدل كما ذكرنا سابقاً يأتي أشهر النحاة فيقول أنه لم يتبين له الفرق بينهما وأنا في الحقيقة من هذا الرأي أيضاً. * ورتل القرآن ترتيلاً : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ (35)) تأمل كيف قال رب العزة والجلال (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) ولم يقل "نوره كمشكاة". وذلك حتى لا يتوهم البعض تشخيص الذات الإلهية بشيء من المحسوسات. فهم ليس بجسم ولا عرض فلا شبيه ولا مثيل له سبحانه وتعالى. ولذلك أعقب القول بعدد من التشبيهات التمثيلية المتراكبة فقال (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) وذلك حتى لا يُتوصل إلى صورة مشخصة للذات الإلهية. فهذا مما لا يمكن تصوره أو حصره في تخيّل أو تشبيه سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً. (نُّورٌ عَلَى نُورٍ (35)) قد تتساءل عن سبب هذه الزيادة في قوله (نُّورٌ عَلَى نُورٍ) مع أنه ذكر قبلها ما يدل على ذلك كما رأينا عند قوله (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)؟ ذلك ليدل على الغاية من كل هذه التشبيهات التمثيلية. فليس الغرض منها التشخيص والتصوير إنما هو توضيح هيئة هذا النور مما لا حدّ له. فالمصباح في مشكاة أشد إضاءة وإذا كان في زجاجة صافية تضاعف نوره وإذا كان زيته نقياً كان أشد إسراجاً.