عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٢٤﴾    [النور   آية:٢٤]
آية (24): * في سورة يس (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) وفي سورة النور(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)) فهل الشهادة للجلد أم للرجل أم للسان، أليس هذا يعتبر من قبيل التغاير؟ وما فحوى هذا التغاير واللمسة البيانية الموجودة فيه؟(د.فاضل السامرائي) في يس عندما قال (بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) والكسب يستعمله في القرآن للأيدي والتقديم قال (وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ) والشهادة لغيره. في النور قال (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)) هنا الألسنة تشهد وتتكلم هي التي تشهد، ليس جميع أهل الحشر بشكل واحد يحاسبون وإنما كل واحد بقدر عمله. المقام في سورة النور مختلف، المقام هو في ذكر حادثة الإفك تحديداً ورمي المحصنات وما لاكته الألسنة من بهتان فكان من المناسب أن يستنطقها لأنها هي التي رمت بالإفك وهي التي قالت ما قالت (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ (15) النور) فإذن بدأ يستنطقها لأنها هي التي فعلت فيستنطقها. وفي سورة النور تكرر ذكر الشهادات والشهود والشهادة تكون بالألسنة قال (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ (4)) الرمي يكون باللسان، (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء (4)) الشهادة تكون باللسان، (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ (6)) رمي الزوجة يكون باللسان (وَيَدْرَأُ عنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ (8)) (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ (11)) الإفتراء يكون بالألسنة، (لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء (13))، (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم (15)) (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ (23)) اللسان هو الذي يفعل في هذه المسألة فينبغي أن يُستنطق وهو الأساس فينبغي أن يُسأل، إذن المقام اختلف، المجرم اختلف، المتهم اختلف. * في يس قال (بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) وفي النور (بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)) فما دلالة اختلاف الفاصلة في الآيتين؟(د.فاضل السامرائي) لو لاحظنا في يس وفي النور، في يس شاع جو الكسب في السورة عموماً وفي النور العمل. مثلاً (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)) والذي يأكل الطعام هو مما يكسبه، (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)) يأكل من الكسب، (وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)) يركبون من كسبهم، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ (47)) كسب، (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)) والملك كسب (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)) كلها كسب. بينما في النور شاع العمل (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)) (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا (38)) (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ (39)) (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53)) (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (55)) (وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا (64)) جو السورة في يس الكسب وجو السورة في النور العمل. * ورتل القرآن ترتيلاً : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)) من المعروف أن أعضاء الجسد كلها تشهد على صاحبها يوم القيامة فلِمَ خصّ الله عز وجل هذه الأعضاء هنا دون غيرها؟ ذلك لأن الذين جاؤوا بالإفك استعملوا هذه الأعضاء خاصة فنطقوا بألسنتهم بالزور والبهتان وأشاروا بايديهم إلى من طعنوا في طهارتها ونزاهتها أي السيدة عائشة رضي الله عنها ومشوا بأرجلهم لمجالس القوم وتواديهم إشاعة الخبر ونشر حديث الإفك.