عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿٣٤﴾    [الروم   آية:٣٤]
آية (34) : * (فتمتعوا) وردت في سورة الروم (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) الروم) وفي سورة النحل (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)) أما في العنكبوت وردت (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)) باللام فما دلالة اللام؟ ولماذا تحول الضمير في كلا الآيتين مع أن الكلام واحد تقريباً؟ وكيف نفهم اللمسة البيانية في تحول الضمير من متكلم إلى غائب؟ هذه وردت في سورتي النحل والروم (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) الروم) (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) النحل) إلتفت، (ليكفروا - فتمتعوا) حينما يتغير من ضمير إلى آخر. في العنكبوت (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)) لم يلتفت، لماذا؟ السياق في النحل التي فيها التفات (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ) الكلام على مخاطبين وغائبين (وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ (53)) مخاطب، (ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) مخاطب، (ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ (54)) مخاطب، (إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) مخاطب وغائب، قال (يشركون) وليس تشركون، هذا غائب، فصار الكلام مخاطب وغائب قال (لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ). نفس الشيء في الروم (ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ (28)) مخاطب، (فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء) مخاطب، (تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ) مخاطب، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ (30)) مخاطب (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)) غائب، إذن مخاطب وغائب. في العنكبوت كلها غائب (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)) (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (63)) غائب، (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)) كلها غائب فجعلها كلها غائب (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (66)). في العنكبوت هم مسافرين ركبوا في الفلك وذهبوا (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ) غائبين إذن بعيدين فتكلم عنهم بضمير الغائب. هناك أمر آخر: في آيتي النحل والروم قال (فَرِيقٌ مِّنْهُم) جعلهم فريقين فريق مؤمن وفريق مشرك بينما في آية العنكبوت (إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)) جعلهم كلهم ولذلك جاء بالضمير الذي لا يخص أحداً بل جمعهم كلهم (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا) لهم كلهم من دون إلتفات. *الإلتفات له أسرار بلاغية وبيانية؟ التحول من ضمير إلى ضمير؟ مثل (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)) ضمير المتكلم (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) لم يقل فصلِّ لنا، صار إلتفات للغائب، لماذا؟ الصلاة للرب وليس لمن يعطيك لو كان لمن يعطيك لكنت تصلي لأي واحد يعطيك (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فإذا أعطاك واحد كثير؟! لماذا جعل الصلاة؟ للمعطي، (إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) إذن فصلِّ تكون بسبب العطاء بينما هي الصلاة للرب أعطاك أم لم يعطيك. الرب هو الذي يُصلّى له وليس من أعطاك تصلي له.