عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا ﴿٨٣﴾    [الكهف   آية:٨٣]
قصة ذي القرنين: ( 83-98) *وردت في القرآن ( يسألونك) و (ويسألونك) فما دلالة إضافة الواو وحذفها؟ (د.حسام النعيمى) الواو تكون عاطفة لكن نجد لما يبدأ موضوعاً جديداً لا يبدأ بالواو وإنما يبدأ بـ (يسألونك) لأنه لا يريد أن يستكمل كلاماً سابقاً فقال (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) هذه الآية نفسها فيها يسألونك وويسألونك، لما بدأ بها بعد كلمة (والله غفور رحيم) بدأ بها غير معطوفة على ما قبلها بدأ (يسألونك) ثم في الآية نفسها قال (ويسألونك) معطوفة على يسألونك الأولى التي هي غير معطوفة على شيء فلا يقول (ويسألونك). ووردت (ويسألونك) في (ويسألونك عن ذي القرنين (83) الكهف). *فى سؤال عن معنى التوكل: (د.حسام النعيمى) وهل من خلال الآية المتقي المتوكل مرزوق حتماً؟ فيما يتعلق بمعنى التوكل هناك أصل من أصول العقيدة الإسلامية أنه لا يتم أمر إلا برضى الله عز وجل، إلا بما يريد (وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)) هناك أصل آخر أيضاً أن الإنسان ينبغي أن يسعى لأن معنى التوكل أن تخرج من طاقة نفسك وجُهدها وحولها إلى حول الله سبحانه وتعالى. أن تقول يا رب ليس لي حول، تُلقي بأمرك على غيرك هذا معنى التوكل. لكن فيه لمسة وهي أن المتوكل في المفهوم الإسلامي ينبغي أن يقدّم جميع الأسباب ثم يتوكل لأنه عندنا حديث عن الأعرابي الذي قال له : أعقلها وتوكّل. أي إربط الناقة بالعقال لأن الناقة تربط من ثنيّة يدها حتى لا تستطيع أن تسير فتبقى باركة أو يمكن أن تقف لكن لا تستطيع أن تمشي. (إعقلها وتوكل): معناه إتخذ الأسباب وتوكل. الأسباب لا بد من إتخاذها لذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجد أُناساً في المسجد في غير وقت الصلاة سألهم: ما تصنعون؟ قالوا: نحن المتوكلون على الله ويأتينا رزقنا، قال: بل أنتم المتواكلون إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. وأمرهم بالسعي والعمل. *ما الفرق من الناحية اليانية بين قوله تعالى في سورة الكهف (فأتبع سببا) وقوله (ثم أتبع سببا)؟(د.فاضل السامرائى) الحكم العام في النحو: الفاء تفيد الترتيب والتعقيب. وثمّ تفيد الترتيب والتراخي أي تكون المدة أطول. وفي سورة الكهف الكلام عن ذي القرنين ففي الآية الأولي (فأتبع سببا) لم يذكر قبل هذه الآية أن ذي القرنين كان في حملة أو في مهمة معينة وإنما جاء قبلها الآية (وآتيناه من كل شيء سببا) هذا في الجملة الأولى لم يكن قبلها شيء وإنما حصل هذا الشيء بعد التمكين لذي القرنين مباشرة، أما في الجملة الثانية (ثم أتبع سببا) فهذه حصلت بعد الحالة الأولى بمدة ساق ذو القرنين حملة إلى مغرب الشمس وحملة أخرى إلى مطلع الشمس وحملة أخرى إلى بين السدين وهذه الحملات كلها تأتي الواحدة بعد الأخرى بمدة وزمن ولهذا جاء استعمال ثم التي تفيد الترتيب والتراخي في الزمن. *في سورة الكهف قال (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ )لم لم يقل حسبها أو ظنها أ رآها ؟ وهل هناك ارتباط بين (وجدها) وقوله تعالى (كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)) ما لديه خبراً قابل أن يكون أكيداً او غير أكيد وليس علماً؟(د.حسام النعيمى) ما ذكره القرآن لنا أنها ملك وحاكم وقائد عسكري كان مؤمناً انطلق من جهة المشرق وانطلق من جهة المغرب وسار بينهما وعلى وجه اليقين هو ليس الاسكندر المقدوني لأن ذاك كان وثنياً. بعض المفسرين يشير إلى أنه اتجه في جهة المغرب وبقي يفتتح البلاد إلى أن وصل إلى نهاية الأرض نهاية الأرض المحيط الأطلسي لأنه ما كان معلوماً أنه في الأطلسي هناك الأميركيتين يرون أنه بحر الظلمات نهاية الأرض فيقولون لا يبعد أنه قبل أن يصل للمحيط نفسه وجدها طبعاً يقيناً بعينه. لما أنت في البحر ترى الشمس تسقط في الماء هذا ليس ظناً وإنما هذا هو يقين بالنسبة لك ولا يصلح مطلقاً أن تقول للناس أنه ظنّها تسقط هاهنا في ذلك الزمن قبل 1400 عام. هو يراها هكذا لكن هو يعلم أنها ليست ساقطة على وجه اليقين ويراها تسقط خلف ذلك الكثيب في الصحراء يقول لقومه أننا سنبيت الليلة حيث تسقط الشمس خلف ذلك الكثيب في الصخر فيسيرون إلى أن يصلوا إلى الكثيب لكنهم لا يجدون شيئاً. لكنه رآها تسقط هاهنا في الكثيب. لا نقول بالقطع أنه وصل للرباط إلى المغرب لكن قد يكون في هذه المنطقة هناك مجرى مائي هو نهر أو نهير أبو رقراق عندهذا المجرى حقيقة لون الأرض هناك فيها لون معتم فيها عتمة فكأنه عين حمئة. قد يكون هذا ولا نقطع بشيء والمفسر لم يقطع بشيء. الرجل يقول قد يكون هذا إن وصل إلى هناك، فممكن أن تكون هناك وعندما قوم كانوا عند الماء والماء عذب ومسيل العين في الماء العرب تسميه عيناً يعني يسيل والرسول  قال في الحديث " خير المال عين ساهرة لعين نائمة" يعني بالعين الساهرة العين التي تجري دائماً تجري ليلاً ونهاراً والعين النائمة الرجل النائم هو ينام والعين تجري تسقي له. نقول رآها تنزل وهو يعلم جيداً وكلنا يعلم أننا لما نرى الشمس تنزل خلف الكثيب أو تنزل في الماء أو في عين جمئة هي لم تغُر فيها لم تغُص فيها لكنه معلوم هذا شيء عند العرب يستعملونه كما قلت لك يقولون أين مبيتنا؟ يقول خلف هذا الكثيب حيث ستسقط الشمس وهو يعلم يقيناً سيصلون إلى الكثيب ولا يجدون شيئاً وهم يعلمون أن هذا في عين الرائي. الإنسان يتذكر في مثل هذا الموقف أن العرب لم يتركوا شيئاً ما سألوا عنه رسول الله  يستدعي السؤال كانوا يسألونه وثبّتها القرآن (ويسألونك). (وقد أحطنا بما لديه خبرا): أحاط خبراً بما لديه. لاحظ الإحاطة أن تحوط الشيء يعني أن تجعل من علمك كأنه دائرة تطوّقه. الخُبر هو المعرفة البالغة يعني المعرفة بالجزئيات نقول هو بذلك خبير. خُبرا الخاء والباء والراء فيها معنى معرفة الجزئيات. لكن هنا حقيقةهي في السورة كأن هناك نوع من التناسب: في الكلام لاحظ (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)) لاحظ هذا الانكشاف الذي رآه ذو القرنين وافقه انكشاف علمه لله سبحانه وتعالى وانكشاف ما لديه في علم الله عز وجل كأن هناك مناسبة في الكشف في الانكشاف. هؤلاء منكشفون أمام الشمس وهو ذو القرنين منكشف بما حتى في داخله أمام الله سبحانه وتعالى كأنما هذه اللمسة هنا. * في سورة الكهف ذكر قصة ذي القرنين فقال (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ (86)) وفي آية ثانية (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90)) فما المقصود من البلوغ في الآيتين؟ بلوغه مغرب الشمس ومطلعها؟ وما الفرق في استخدام (في) في الغروب و(على) في الشروق في الآيتين وكلاهما حرف جر؟ (د.فاضل السامرائي) هو وقف على حافة البحر كما فيما يذكر عنه في تاريخه، وقف على حافة البحر وأنت عندما ترى الشمس تغرب في البحر تراها تسقط في البحر. في عين حمئة يعني طين أسود ، عين يعني حافة بحر كبير. وحمئة ذات طين أسود، حمأ مسنون حتى حددوها كان المعاصر له ذكر المنطقة التي وصل لها، هيرودوتس كان معاصراً لذي القرنين والعجيب أنه ذكر الرحلات التي ذهب إليها كما ذكرها القرآن وهو معاصر له، هذا أمر عجيب والمفسرون لا يعلمون عن هذا شيئاً وقد يكون المتأخرون اطلعوا على الوثائق. هيرودوتس كان معاصراً له وأرّخ لذي القرنين. مغرب الشمس على قوم ليس عندهم خيام وليس عندهم بنيان. (قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)) هؤلاء قوم آخرون، يعني لغتهم لا يفهمون لغة هؤلاء ، لا يفهمون كلامه فكيف يتفاهمون فيما بينهم. (لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90)) يعني ليس لهم بنيان، قال في صحراء بلخ ذكر المنطقة التي وصل إليها. ذكرها حتى قسم حددوا المنطقة التاريخية من أين خرج. الكتاب اسمه "شخصية ذي القرنين كما ذكرها القرآن الكريم"، هذا الكتاب الذي اطلعت عليه المؤلف هندي أبو الكلام آزاد وهو مشهور ونقل عن المؤرخ هيرودوتس ، حدد المكان الذي وصل إليه ذي القرنين. * مغرب الشمس ليس نهاية الكرة الأرضية إذن؟ ملك الأرض من مطلع الشمس إلى مغربها؟ لا، عندما تمشي وتصل إلى البحر غربت الشمس أين تذهب؟! * وبالتالي حرف الجر هو مناسب للفعل الذي جاء به (تغرب في)، (تطلع على) طلعت علينا الشمس. * يقال هو أحد الملوك الذين حكموا الأرض. هو مشهور وتاريخه معروف، هو في الأصل ليس من سلسلة عائلة مالكة ولذا قال (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ (84)) يعني ربنا ملّكه * هل هو نبي؟ الظاهر ليس نبياً والله أعلم، إنما ملك. * هل ذكر لماذا سمي ذو القرنين؟ هل لأنه عاش مائتي عام أو لأنه كان يلبس قرنين؟ لا، هذه قرأتها منذ زمن في الخمسينات وعلى ما أذكر أنها كانت رؤية من بني إسرائيل أو من دانيال أنه رأى هذا النبي، رأى في المنام كبشاً له قرنان قرن إلى الأمام وقرن إلى الخلف ورأى أن هذا الكبش ينطح في ثلاث جهات فقال له ذو القرنين وكان يعطف على بني إسرائيل لأنهم مؤمنين وهو مؤمن قال لا أرى الكبش تأويلها إلا أنت. فجاءت تسمية ذي القرنين من الرؤية فقال لا أحسبك إلا أنت، لا أحسب الرؤيا إلا أنت. * وذهب إلى ثلاثة أماكن المطلع والمغرب والقوم قسم يقولون هو غورش فارسي ووجد له تمثال في جنوب إيران. * إذن هو فارسي، في عهد من كان؟ هل كان قبل سيدنا موسى؟ بعد سيدنا موسى . * أسال لأجل يأجوج ومأجوج، أليس هو الذي وضع السد؟ إذن هو يعرف مكانهم أيضاً حددهم، هذه المنطقة عند القفقاز. * إذن هو ليس سور الصين العظيم؟ لا، هو بين جبلين وقالوا لا يزال قسم من السد موجوداً. هم قوم من الأقوام، قوم من هذه المناطق تأتي ذريتهم. * إذن ليسوا محبوسين حتى الآن؟ لا، هم من الأقوام التي توالدت قرب الصين، أقوام هائلة قد تأتي فيما بعد لا تدري كم عدد سكانها، قد تكون في المناطق التي يكثر سكانها وتضيق بها البلاد والله أعلم. * (قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) الكهف) لماذا قدم ذكر عذاب ذي القرنين على عذاب الله وفي الجزاء قال العكس (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88))؟(د.فاضل السامرائى) الشق الأول من السؤال سليم قدم عذاب الدنيا على عذاب الآخرة لأنه في الدنيا العذاب متقدم الآن الذي يفعل شيئاً يطاله القانون الذي ظلم سيأخذ جزاءه ثم يرد إلى ربه فيعذبه هذا بحسب الزمن. أما الجزاء (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى) ما قال أنا سأجازيه وإنما قال (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا) قول جزاك الله خيراً ليس جزاء، قول بارك الله فيك ليس جزاء وإنما الحسنى هي الجنة إذن هو ذكر جزاء الآخرة ولم يذكر جزاءه بالنسبة للعمل لأن الإيمان والعمل في الجنة أما الظلم فهذا ينبغي أن يحاسب عليه في الدنيا فيعذبه ويطاله القانون كأي واحد يعتدي على الآخرين يعاقب ثم ربنا سبحانه وتعالى في الآخرة يعاقبه إذا لم يستوف العذاب في الدنيا أما في الجزاء فلم يذكر له جزاء ولم يقل سأجزيه وإنما له الحسنى والحسنى هي الجنة. قدم في الجزاء ذكر مكافأة الله تعالى له جزاؤه الجنة وقوله (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا) هذا ليس جزاء. الذي يعمل صالحاً يريد الجنة وليس الكلام الذي يعمل صالحاً يريد الجنة ولا يريد أن تقول له أحسنت بارك الله فيك جزاك الله خيراً على ما قدمته لا تكون جازيته، سنقول له من أمرنا يسرا أي يقال له جزاك الله خيراً بارك الله فيه. في العذاب هناك عذابان واحد في الدنيا كأي ظلم يحصل في الأرض يحاسبه القانون والسلطة ويحاسبه الله تعالى في الآخرة. ذي القرنين ليس مكلفاً بجزاء المؤمن ولا السلطة مكلفة بجزاء المؤمن ولكن مكلفة بعقاب الظالم. * ما دلالة استخدام السين وسوف مع ذي القرنين؟(د.فاضل السامرائى) سوف في استعمال القرآن آكد من السين وكلاهما يدلان عل المستقبل لكن بعضهما آكد من بعض مثل إنّ واللام إنّ آكد من اللام، وإنّ واللام آكد من إن لوحدها: لمحمد مسافر وإنّ محمد مسافر آكد وإن محمد لمسافر آكد. إذن سوف آكد من السين (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) لا بد أن يعاقب. هذه لغة العرب كانوا يفهمونها. * ورتل القرآن ترتيلاً : (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)) العطف في التعذيب والإحسان يقتضي ظاهراً أن يقول "إما أن تُعذِّب وإما أن تُحسن" فلِمَ عدل في الإحسان عن الفعل إلى المصدر (حُسناً)؟ عدل عن (أن تُحسن إليهم) إلى (أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا) للمبالغة في الإحسان. حتى جُعل كأنه اتُخذ فيهم نفسُ الحُسن. وفي هذه المبالغة تلقين لاختيار أحد الأمرين والمخيّر بينهما. (قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ (87)) انظر إلى هذا اللطف في الدعوة. فقد قال ذو القرنين (فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) ولم يقل "فنعذِّبه" إشارة إلى أنه سيدعو القوم إلى الإيمان فمن أصرّ على الكفر ولم يلن قلبه للإيمان فإنه يُعذّبه. * في سورة الكهف (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)) هل هم يأجوج ومأجوج أم غيرهم؟ وما معنى لا يفقهون قولا؟ (د.فاضل السامرائي) هؤلاء قريبون من يأجوج ومأجوج هذه في قصة ذي القرنين، هؤلاء لغتهم لغة خاصة لا يفهمون لغة ذي القرنين كما شأننا لا نفهم لغة أقوام، نحن لا نفهم كل اللغات. فهؤلاء لا يفهمون لغة ذو القرنين لا يفقهونها لأنها لغة غريبة، هم يتكلمون بلغتهم الخاصة ولا يفهمون لغة غيرهم وهذا حاصل. * إذن لا يكادون يفقهون قولاً يعني قول ذي القرنين. (قول) وردت بالتنكير للعموم والشمول أيّ قول لا يفهمونه؟ يفهمون فيما بينهم لغتهم. لو ما يفهمون لغتهم كيف قالوا (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) الكهف)؟. * ربما يتبادر إلى الذهن أنهم لا يفهمون أصلاً وفيهم صفة الغباء. كيف قالوا (يا ذا القرنين) هذا كلام واحد يفقه. * كيف لا يفهمون لغة ذو القرنين ويكلمونه؟ ربما عن طريق المترجمين. هناك مترجمين ومن يفهم ولكن هناك مكان مخصوص لا يفهمون لغة هؤلاء وهذا موجود. * هل هو سور الصين العظيم؟ لا ليس سور الصين. * المكان موجود والسور ما زال موجوداً ؟ فيها آثار. حتى حددوا موقعهم والمعاصِر لهم (المعاصِر لذي القرنين وهو مؤرِّخ) كتب عنهم هيرودوتس كان في نفس الوقت معهم كتب عنهم ورحلات ذي القرنين والغريب أن ما كتبه مطابق لما ورد في القرآن الكريم، الرحلات التي ذكرها القرآن ذكرها هيرودوتس قبل الإسلام. * أين موقعه في التاريخ زمنياً هل قبل سيدنا موسى أو بعده أو معه؟ الظاهر فيما يبدو بعد زمن سيدنا موسى. * هل ورد التنازع في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى) ورد التنازع في القرآن الكريم في أكثر من موضع ومن ذلك قوله تعالى (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) الكهف) قطراً مفعول به هل هو للفعل آتوني أو الفعل أُفرغ؟ النحاة يجيزون أي واحد منهم لكن الإختلاف فقط في الترجيح فعند الكوفيين الأول هو الأولى في الإعمال وعند البصريين البصريين الثاني هو أولى بالإعمال وعند الفرّاء كلاهما يعملان معاً. عند النحاة كلاهما جائز لكن هناك مرجحات وكل واحد يحتج فالأول يقول الأول هو أولى باعتبار سابق والبصريين يقولون الثاني لأنه أقرب ولو كان الأول لكان هناك فاصل بين العامل والمعمول ولو كان كذلك لقال ربنا آتوني أفرغه عليه قطراً لأنه إذا أعملنا الأول يجب أن نضمر في الثاني وفيها كلام طويل لكنهما متفقان على أنه يجوز. في المعنى هو يعمل للإثنين لكن في الإعراب عند الكوفيين الأول هو الأولى وعند البصريين الثاني هو الأولى وعند الفراء يقول سيان. أكثر من عامل يشترك في معمول واحد وبدل أن يكرر جملة المعمولات (تسبحون ويحمدون وتكبرون الله ثلاثاً وثلاثين بدل أن يقول تسبحون الله وتحمدون الله وتكبرون الله فيجمعها كلها ويأتي بمعمول واحد لها يصلح لها جميعاً.، (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) الجن) خارج القرآن يقال أنهم ظنوا أن لا يبعث الله أحداً كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً. *ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل استطاعوا واسطاعوا ؟ د.فاضل السامرائى : قال تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً {97}). زيادة التاء في فعل استطاع تجعل الفعل مناسباً للحث وزيادة المبنى في اللغة تفيد زيادة المعنى. والصعود على السدّ أهون من إحداث نقب فيه لأن السدّ قد صنعه ذو القرنين من زبر الحديد والنحاس المذاب لذا استخدم اسطاعوا مع الصعود على السد واستطاعوا مع النقب. فحذف مع الحدث الخفيف أي الصعود على السد ولم يحذف مع الحدث الشاق الطويل بل أعطاه أطول صيغة له، وكذلك فإن الصعود على السدّ يتطلّب زمناً أقصر من إحداث النقب فيه فحذف من الفعل وقصّر منه ليجانس النطق الزمني الذي يتطلبه كل حدث. د.حسام النعيمى : الكلام على ما صنعه ذو القرنين من سد وكان كما هو معلوم من الحديد وأمور أخرى (فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا). سدّ الحديد الضخم تسلّقه أيسر من الثقب والنقب الذي يحتاج إلى جهد فاستعمل مع السهولة الحذف (اسطاعوا) ومع الصعوبة كمّل الفعل (استطاعوا) فضلاً عن أن كلمة اسطاعوا في هذا الموضع كأنها توحي بشيء من الإنزلاق يعني لما أرادوا أن يصعدوا ينزلقون فجاءت لفظة (اسطاعوا). استعمل البنية الكاملة للفعل استطاع لما كان العمل أصعب ولما كان أيسر استعمل اسطاع. * ورتل القرآن ترتيلاً : (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)) إن القرآن يحذف من الكلمة بغرض وليس اعتباطاً. وفي هذه الآية قال (اسْطَاعُوا) في الأولى و(اسْتَطَاعُوا) في الثانية فحذف التاء في (اسْطَاعُوا)، فلِمَ كان الحذف فيها دون الثانية؟ إن الاستطاعة في الفعلين متعلقة بالسدّ الذي صنعه ذو القرنين. ولكن الاستطاعة الأولى (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ) تعود إلى الصعود على هذا السد. والثانية (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) تدل على إحداث ثقب فيه, ولا شك أن الصعود على السد أيسر من إحداث الثقب فحذف من الحدث الخفيف فقال (فَمَا اسْطَاعُوا) خلاف الفعل الشاق الطويل فقد أعطاه أطول صيغة فقال (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا). ثم لما كان الصعود على السد يتطلب زمناً أقصر من إحداث الثقب فيه حذف من العفل وقصر منه ليجانس النطقُ الزمنَ الذي يتطلبه كل حدث. *هل لكتابة كلمة رحمة ورحمت بهذه الطريقة دلالة معينة في المصحف؟ وهل إذا وجدت الدلالة نرد على من يحاول أن يرسم المصحف بالرسم الإملائي؟ (د.حسام النعيمى) كل من يريد أن يرسم المصحف يرسمه نقشاً على ما رسمه الصحابة الأولون لأن هذا إجماع الأمة وليس هناك في الأمة من يفتي بكتابة المصحف بالرسم الإملائي الحالي. لو نظرنا إلى الآية 98 من سورة الكهف (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)) نجدها مرسومة بالتاء المربوطة ولو نظرنا بعدها بأسطر في سورة مريم (ذِكْرُ رَحْمَتِِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)) نجدها مرسومة بالتاء المفتوحة. وقلنا فيها رأيان أحياناً يقول قُريء بالجمع (رحمات) لكن في بعض الأحيان ما قُريء بالجمع ومع ذلك جاءت مرة مفتوحة ومرة مربوطة فهذا خطهم في ذلك الزمان ونحن نتابعه في المصحف على وجه التحديد. من حيث الرسم المصحفي إذا أردت أن ترسم مصحفاً فهذه هنا هي الأصوب وهذه هنا هي الأصوب. بالرسم الحالي الآن إذا وقفنا عليها بالهاء نرسمها بالتاء المربوطة. في رسم المصحف قول فصل: رحمة ورحمت. *ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل حضر وجاء في القرآن الكريم؟ (د.فاضل السامرائى) فعل حضر والحضور في اللغة أولاً يعني الوجود وليس معناه بالضرورة المجيء إلى الشيء (يقال كنت حاضراً إذ كلّمه فلان بمهنى شاهد وموجود وهو نقيض الغياب) ويقال كنت حاضراً مجلسهم، وكنت حاضراً في السوق أي كنت موجوداً فيها. أما المجيء فهو الإنتقال من مكان إلى مكان، فالحضور إذن غير المجيء ولهذا نقول الله حاضر في كل مكان دليل وجوده في كل مكان. وفي القرآن يقول تعالى (فإذا جاء وعد ربي جعله دكّاء) سورة الكهف بمعنى لم يكن موجوداً وإنما جاء الأمر. القرآن الكريم له خصوصيات في التعبير وفي كلمة حضر وجاء لكل منها خصوصية أيضاً. حضور الموت يُستعمل في القرآن الكريم في الأحكام والوصايا كما في سورة آية سورة البقرة وكأن الموت هو من جملة الشهود فالقرآن هنا لا يتحدث عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت فالكلام هو في الأحكام والوصايا (إن ترك خيراً الوصية) (ووصية يعقوب لأبنائه بعبادة الله الواحد). أما مجيء الموت في القرآن فيستعمل في الكلام عن الموت نفسه أو أحوال الناس في الموت كما في آية سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99}) يريد هذا الذي جاءه الموت أن يرجع ليعمل صالحاً في الدنيا فالكلام إذن يتعلق بالموت نفسه وأحوال الشخص الذي يموت.. ويستعمل فعل جاء مع غير كلمة الموت أيضاً كالأجل (فإذا جاء أجلهم) وسكرة الموت (وجاءت سكرة الموت) ولا يستعمل هنا حضر الموت لأن كما أسلفنا حضر الموت تستعمل للكلام عن أحكام ووصايا بوجود الموت حاضراً مع الشهود أما جاء فيستعمل مع فعل الموت إذا كان المراد الكلام عن الموت وأحوال الشخص في الموت. *(قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) الكهف) ما دلالة صيغة كلمة دكاء على هذا الشكل؟(د.فاضل السامرائى) دكاء هي الأرض المستوية. يتكلم عن السد الذي صنعه ذو القرنين، جعله دكاء يعني جعله مستوياً بالأرض، دكه فجعله مساوياً للأرض. وتأتي دكاء بمعنى الرابية من الطين لكن هي التسوية في الأرض لأن ربنا تعالى ذكر (لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) طه) (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحاقة).