عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴿٦٠﴾    [الكهف   آية:٦٠]
قصة موسى عليه السلام و العبد الصالح: (60-82) *د.عمر عبد الكافى : بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)الكهف) وهذه هى قصة تلك الآية الكريمة و ما تلاها من آيات فى سورة الكهف كما جآت فى صحيح البخارى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ نَوْفاً الْبِكَالِىَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى لَيْسَ بِمُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ ، إِنَّمَا هُوَ مُوسَى آخَرُ . فَقَالَ : كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « قَامَ مُوسَى النَّبِىُّ خَطِيباً فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ ، فَسُئِلَ أَىُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُ . فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ : أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِى بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ . قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ ؟ فَقِيلَ لَهُ : احْمِلْ حُوتاً فِى مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهْوَ ثَمَّ ، فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، وَحَمَلاَ حُوتاً فِى مِكْتَلٍ ، حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءوسَهُمَا وَنَامَا ، فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ ( القفة الكبيرة ) ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَباً ، وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَباً ، فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمِهِمَا فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ : آتِنَا غَدَاءَنَا ، لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً ، وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِى أُمِرَ بِهِ . فَقَال لَهُ فَتَاهُ : أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ ، قَالَ مُوسَى : ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِى ، فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ - أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ - فَسَلَّمَ مُوسَى . فَقَالَ الْخَضِرُ : وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ ؟ فَقَالَ : أَنَا مُوسَى . فَقَالَ : مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِى مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا؟ قَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً ، يَا مُوسَى إِنِّى عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ ، وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لاَ أَعْلَمُهُ . قَالَ : سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ، وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا ، فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ ، فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ ، فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا ، فَعُرِفَ الْخَضِرُ ، فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ( أجر ) ، فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ ، فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِى الْبَحْرِ . فَقَالَ الْخَضِرُ : يَا مُوسَى ، مَا نَقَصَ عِلْمِى وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِى الْبَحْرِ . فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ . فَقَالَ مُوسَى : قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا ؟ قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ؟ قَالَ : لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ . فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَاناً . فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ . فَقَالَ مُوسَى : أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ ؟ قَالَ : أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ؟ - قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : وَهَذَا أَوْكَدُ - فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ، فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ، فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ . قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ . فَقَالَ لَهُ مُوسَى : لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا . قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ » . قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم « يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا » . بعد عرض هذه القصة الرائعة و التى أمدنا الله الكريم فيها بالكثير من الدروس و العبر و نلاحظ فيها عدم صبر سيدنا موسى عليه السلام بعد أن تعهد و قال سَتَجِدُنِى إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا ، وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا ،كذلك عدم صبر سيدنا الخضر علي سيدنا موسى بعد أن أخذ منه العهود و المواثيق بعدم السؤال فما لبث أن قال له بعد أن سأله سيدنا موسى عليه السلام عن تفسير أعماله ثلاثة مرات : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ والآن بعد أن أخذ عليك الله الكثير من العهود و المواثيق و تفضل عليك بالكثير الكثير من النعم و تعصاه و تعصاه بعد ذلك بعد أن قلت مراراً و تكراراً وَلاَ أَعْصِى لَكَ أَمْرًا ثم تتوب إليه فهل فى أى مرة من مرات عصيانك لله و عدم إلتزامك شرعه و أوامره قال الله لك : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ لم يحدث أبدا سبحانك ربنا ما أرحمك بنا و صبرك علينا مع تقصيرنا. هذه اللفتة الجميلة ذكرها الشيخ الجليل / عمر عبد الكافى فى برنامج هذا ديننا على قناة الشارقة. * د.فاضل السامرائى : هو الخَضِر (بفتح الخاء وكسر الضاد) من خَضِراً نسبة إلى اللون الأخضر. في هذه القصة التي ذكرها ربنا قصة سيدنا موسى مع الرجل الصالح فيها دروس مستفادة مهمة منها أولاً أنه لا يبعد تعلم الأفضل ممن دونه في الفضل (الأفضل سيدنا موسى ومن دونه في الفضل الخضر) وهو يتعلم منه وموسى (عليه السلام) نبي رسول من أولي العزم، إذن ممكن لأحد العباد أن يعلم أكثر من الرسول ولكن في أمور أخرى وليس في عموم الرسالة المبلّغ بها، إذن لا يبعُد تعلم الأفضل ممن دونه في الفضل. ثم الرحلة في طلب العلم وإن لقي النصب في ذلك (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) الكهف) هذه رحلة في طلب العلم والصبر على ذلك وأن لا يتعجل النتيجة (قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) الكهف) إذن العلم يحتاج إلى صبر وإلى مشقة. ثم التواضع في سؤال المعلِّم (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)) السؤال في غاية التواضع مع أن المعروف عن سيدنا موسى (عليه السلام) القوة وأنه من أولي العزم وكليم الله تعالى، تواضع أمام العلماء وهذه إشارة مهمة أن نتواضع أمام علمائنا، التواضع في سؤال العلماء. ثم قال له (مِمَّا عُلِّمْتَ) لم يقل على أن تعلمني ما عُلّمت وإنما بعضاً مما عندك (مِمَّا عُلِّمْتَ) (من) للتبعيض، ليس ما عُلّم يكتفي بأنه يعلّمه مما عنده من العلِم. ثم قال (هَلْ أَتَّبِعُكَ) ولم يقل أتبعك للدلالة على الحرص وشدة المتابعة (افتعل) فيها حرص وفيها جدة مثل جهد واجتهد مثل كسب واكتسب المبالغة في الاجتهاد والمبالغة في الاتّباع (هَلْ أَتَّبِعُكَ) إذن هو حريص على التعلم شدة المتابعة، الاجتهاد في المتابعة ليس كيفما كان الأمر وإنما حريص على المتابعة. ثم قال (تُعَلِّمَنِ) ولم يقل أتعلم أو أستفد يريد أن يكون هو شيخه في مقام المعلم والتلميذ لم يقل أتبعك لأستفيد فقد لا يعلم كل شيء بالإتباع فالأمر يحتاج إلى شرح وتوضيح وبيان، إذن هذا تواضع آخر أن يجعل من نفسه تلميذاً وهذا معلِّم. ثم قال (عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ) يعني ليس له غرض غير طلب العلم ليس له غرض آخر لا مال ولا جاه ولا دنيا، لهذا الغرض، (عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ) هذا شرطه. (على) هنا تفيد تحديد المطلوب بالضبط مثلاً يقال زوّجته ابنتي ليعينني هذا يعني أنه يأمل، أما لو قيل زوّجته ابنتي على أن يعينني هذا شرط. (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) الإتباع للعلم وليس لي غرض آخر وهذا الإخلاص في طلب العلم. ثم نلاحظ أنه يحسُن بالمعلِّم أن ينبه على مريد التعلم ما لا خبرة له به، أن عليه أن يصبر حتى النهاية ولا يتعجل (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)) المعلِّم يحسن به أن ينبه المريد قد أفعل ما لا خبرة لك به فانتظر النتيجة حتى تتعلم ولا تتعجل. ثم فيه تواضع المتعلم وأدبه في الطاعة فقال (وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) هذا تواضع آخر وأدب في الطاعة. في هذه القصة فيها تعليم الله لعباده أن له أسراراً خفية في هذه الحياة وأن لا يحكم على الظاهر دوماً فإن من حكمة الله ما يخفى على مقربيه أحياناً وفي الحياة أسرار لا نستطيع أن نعلمها كلها حتى على المقربين والرسل. وأن الله تعالى قد يعلم بعضاً من عباده ما يخفى على الآخرين وإن كانوا أفضل منه (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) يوسف). نلاحظ أن الشيطان قد ينسي العبد ما فيه مصلحة له (وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ (63)) ليزداد نصباً وتعباً وليترك ما سعى إليه من خير، يُتعبه لعلّه ينصرف عن هذا الخير، لعلّه يتعب أو لعله يملّ أو يرجع فالشيطان قد يُنسي (وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ). ثم الطاعة في المعروف للمعلِّم (وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)) طاعة في المعروف. والنسيان يقع لعباد الله عموماً حتى الرسل فقال (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ (73)). سؤال: لكن الله تعالى قال للرسول (سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى (6) الأعلى)؟ هذا في القرآن لكنه صلى الله عليه وسلمسها في الصلاة. وحسن الإعتذار والأدب إذا أخلّ التلميذ بشيء فعليه أن يعتذر (وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)). ثم القصة تدل على أن الأنبياء لا يعلمون الغيب وإلا فلماذا خفيت على موسى (عليه السلام) مما كان يتعجب؟ هناك أموراً علمها الله تعالى بعض الناس. ثم لا ينبغي للمعلم أن يهجر تلميذه ويتركه لأنه عصاه مرة واحدة وإنما يضع له فرصة أخرى لتدارك الأمر والالتزام بالتوجيه. هذا الالتزام كان فيه حدة بعض الشيء وتدرّج بعدما نبهه أولاً. ثم كل أفعاله سبحانه إنما هي لحكمة وهي لصالح المؤمن على العموم. ثم فيها توجيه للأبوين أن لا يجزعا إن أصابهم أو أصاب أولادهم بالسوء حتى الموت أو نحو ذلك لعل في ذلك خيراً خفياً لهم لأنه عندما قتل الغلام كان لمصلحة الأبوين (فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)) قتل الغلام من قِبَل الرجل الصالح كان فيه رحمة للأبوين. يجب أن نفهم الأمر من وجهة نظر حكمة إلهية عامة فعليه أن يصبر ويقول لعل في ذلك حكمة أو لعل في ذلك أمر. ثم هنالك فعل الخير حتى مع من لم يحسن إليك ما استطعت (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ (77)) إذن قد يأتي الإنسان إلى مكان فلا يحصل ما كان يتوقعه ويرجوه من الإعانة (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا (77)). ثم يحسن تبين ما خفي على المتعلِّم ثم أن يتأدب في التعبير فينسب السوء إلى نفسه الفضل إلى الله (فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا، فَأَرَدْنَا، فَأَرَادَ رَبُّكَ). ثم النسيان يرفع المؤاخذة (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ (73)). والأحكام مبنية على الظاهر بمعنى نحن لا نعرف البواطن لكن إذا قتل أحدهم آخر نحن نحاسبه فالحكم على الظاهر بالنسبة لنا وهذا كان دور سيدنا موسى (عليه السلام) تعجب من خرق السفينة وقتل الغلام لأن الأحكام مبنية على الظواهر والبواطن لله سبحانه وتعالى.والذي استبان لي أن القرآن الكريم يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة، أو لما هو أصعب وأشق مما تستعمل له (أتى). * اللمسات البيانية في آيات سورة الكهف في قصة موسى مع الرجل الصالح أو الخِضر: (د.حسام النعيمى) الخضر أو الرجل الصالح ورد في الحديث أن إسمه الخِضْر قال بكسر الخاء وسكون الضاد وهذا هو الأفصح. وقد وجدت بين أيدينا مجموعة من الأسئلة تتعلق بهذه القصة فرأيت أن أبدأ بها ونمر على هذا السؤال. تبدأ الآيات بقوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) *أولاً لِمَ قال (فتاه)؟ ما المقصود بالفتى؟ أصل القصة كما تذكرها الأحاديث الصحيحة أن موسى (عليه السلام) سُئل عن أعلم من في الأرض أو عن العلم فقال أنا فقيل له أنت لا تعلم كل شيء، أوحى الله سبحانه وتعالى إليه أن علمك جزء من العلم وليس كل العلم فأراد أن يربّيه التربية الإلهية بالتطبيق أن يعلم أن هناك حيّزاً من العلم لم يُمنَحه وهو علم الغيب. أنت تعلم العلم الظاهر، علم الشرع. فوعده .في مكان خذ معك سمكة أو حوتاً في مِكتل وتذهب به إلى مجمع البحرين وهناك سيذهب الحوت، في المكان الذي سيذهب فيه الحوت ستجد الرجل الذي وعدتك به. هذه هي القصة. (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) كان في هذا بيان لفتاه أنه قد يمضون زمناً طويلاً في رحلتهما. الآية لا تقول لنا إن الفتى وافق لكن المفهوم ضمناً من قوله تعالى (فلما بلغا مجمع بينهما) أنه كان معه. أولاً كلمة (فتاه) هذه لمسة من القرآن الكريم في الوقت الذي كان هناك عبودية وتبعية الإنسان يكون تابعاً لغيره. الرسول صلى الله عليه وسلمينهى أن يقول المرء عبدي أو أمتي وإنما يقول فتاي وفتاتي الفتى كأنه إبن. فكأن هذه لمسة إنسانية من رسول الله صلى الله عليه وسلمالذي هو رسول البشرية ورسول الإنسانية جميعاً. لا يقال خادمتي، عبدتي، عبدي، أمتي وإنما فتاي وفتاتي حتى هو الشخص العامل يحس بقيمته الإنسانية عند ذلك. فالقرآن يذكر هذا الكلام حتى يؤدّب قُرّاء القرآن كيف يتعامل مع الناس. (لا أبرح حتى) هذه كلمة تقال لبيان الإصرار على الشيء: لا أبرح حتى أفعل كذا أي سأستمر على جهدي إلى أن أفعل هذا الأمر. (مجمع البحرين) هو مكان يجتمع فيه بحران مع مراعاة أن العرب تسمي النهر الكبير بحراً: النيل في لسان العرب بحر، والفرات في لسان العرب بحر ودجلة في لسان العرب بحر. لكن لما يأتي إلى الأنهار الصغيرة يقول نهر. قد يسميه نهراً أو قد يسميه اليمّ وقد يطلق اليم على البحر أو على النهر الكبير. هناك إذن نقطة إلتقاء أو قد تكون نقطة إفتراق لأن المكان الذي يجتمع فيه فرعان. الإنسان يمكن أن يتخيل ما شاء الله مع مراعاة المكان الذي عاش فيه موسى (عليه السلام): هو عاش في في مصر، فلسطين وسيناء. لكن ليس فيه فائدة وما عندنا دليل على وجه التحديد أنه هذا لكن هناك مؤشرات لما يقول مثلاً: السفينة وجاء عصفور فنقر نقرة في الماء معناه أن الماء حلو لأن العصفور لا ينقر من ماء مالح فهو إذن ماء حلو أو في الأقل ماء مخلوط. لا نطيل أين هذان البحران؟ لا فائدة من ذلك. (أو أمضي حقبا) الحقب جمع حِقبة والحقبة هي مدة من الوقت قسم يقول سنة وقسم يقول ليس لها وقت محدود كأنه يقول سأمضي إلى ما لا نهاية أى أوقاتاً أو دهوراً أو زماناً مفتوح. (لا بثين فيها أحقابا) أي أزمنة طويلة قد لا تكون محسوبة. هذا حتى يُعلِم الفتى بما ينتظره حتى لا يُغش أنه المكان قريب وتأتي معي. لا، وإنما هناك مرحلة طويلة سأسلكها، فيه نوع من التخيير إن شئت أن تمضي معي وإن شئت فلا. هذا الإصرار ينبغي أن يعلمه المصاحِب له. لا ينبغي أن يخدعه أو أن يغشّه، هو معه يخدمه، إذن ينبغي أن يعلم من معك أين تريد. * لماذا قال بينِهما وما قال بينَهما؟ (مجمع بينِهما): كلمة بين بكسر النون تشير إلى المساحة التي إجتمع فيها البحران.لكن هذه المساحة تابعة لكلا البحرين لأن يكون هناك إختلاط بين مياه البحرين، فهو بينٌ لهذا وبينٌ لهذا فجمعه بكلمة بينِهما.. لما نرجع إلى أصل كلمة البين هي بمعنى البِعاد والمفارقة ومنه قول الشاعر في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول). معنى الفصل أن يكون فاصلاً.هذا الفاصل جعله للبحرين لأن كل واحد منهما له جزء منه لأن هذا ماء والماء يختلط حتى إذا كان ملح وحلو يكون هناك منطقة مختلطة سماها القرآن الكريم (برزخ) هذا البرزخ منطقة الإجتماع بينهما، هناك فاصل منطقة مختلطة (بينهما برزخ لا يبغيان) لا يكون هناك خلطٌ كامل. (مجمع بينهما) جعل البين واحداً وفي مكان آخر جعله بينين (هذا فراق بيني وبينك) جعل لكلٍ بيناً لكن هنا جعل بيناً واحداً. ليس من السهل أن تفصل بين هذا عن بين ولذلك جاءت على هذه الصيغة. لهذا نقول كل كلمة في القرآن هي في موضعها في كتاب الله عز وجل.(نسيا) لماذا إستعمل التثنية في النسيان؟ ممكن إذا جاء إثنان تابع ومتبوع أن المتبوع يتكلم بإسم الإثنين: ذهبنا أنا وهذا، هو يتكلم بإسمه لكن يبدو هنا أن النسيان بمعنيين: موسى (عليه السلام) نسي والفتى نسي لكن نسيان موسى (عليه السلام) غير نسيان الفتى. موسى (عليه السلام) يعلم أن لُقياه لهذا الرجل يكون عن طريق ذهاب الحوت فلما أمضيا الليل في هذا المكان عند الصخرة ويُفترض أنه في الصباح قبل أن يغادر أن يسأل عن الحوت هل بقي أو ذهب لأن علامة لقياه أن يذهب الحوت في البحر مع أن الحوت كان مشوياً وأكلا منه في الطريق، هذه معجزة. فنسيان موسى (عليه السلام) نسي ليس بمعنى حدث شيء ولم يتذكره وإنما غفل عن ذكره أو أهمله، نوع من إهمال الشيء كما قيل في القرآن الكريم (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى) أي أهملتها.أما نسيان الفتى أنه وموسى (عليه السلام) نائم، هو رأى عجباً رأى هذا الحوت يقفز من المِكتل وهو مشوي ومأكول منه يقفز إلى الماء ويمضي في الماء بشكل سريع بحيث يكوّن (سربا) الرسول صلى الله عليه وسلمحلّق بين أصابعه  يعني صنع نفقاً من الماء بسرعة بحيث صار الماء نتيجة سرعته كأنه نفق وهذا معنى سرب نفق الماء، وهذا لا يُنسى. فإذن هذا الحادث وقع وكان ينبغي لما يستيقظ موسى (عليه السلام) أن يحدّثه الغلام بما حدث لأنه أمر عظيم لكنه نسي وغاب عنه. فنسيان موسى (عليه السلام) غير نسيان الفتى لكن كلاهما نسي وكلٌ نسي بما يناسبه من النسيان. (فلما جاوزا ) مضيا ويبدو أنهم مشيا مسافة وظهر عليهما التعب في أوائل شروق الشمس لأن الغداة في اللغة هو غير ما نستعمله نحن الآن(وقت الظهيرة) ولكن ما بين الفجر وشروق الشمس.الغداء أول وجبة يتناولها العربي في وقت الغدوة بين الفجر وشروق الشمس (بالغدو والآصال). الغداء قبل أومع شروق الشمس. الإفطار يكون بعد الصيام. فقال (آتنا غداءنا) معناه هو خرج بعد الفجر أو قبيل الفجر لا ندري المهم ناما وقتاً أو بعضاً من الليل ثم سارا إلى أن أُنهِكا فقال نأكل هذا الأكل. (آتنا غداءنا) تذكر الفتى. أُنظر كيف يعلمنا القرآن الرقة مع الناس مع أنه متعب لم يفقد أسلوب الرقة والمجاملة مع فتاه: كما يقول له يا ولدي إتنا بالطعام. فالفرق بين آتنا وأعطنا: العين والألف والألف هو مجرد هواء يهتز معه الوتران فيكون ألفاً، العين حرف حلقي ومجهور يهتز معه الوتران وله مخرج معيّن فأقوى. فالعين أقوى من اللام ولذلك لما تكلم عن شيء قوي قال (إنا أعطيناك الكوثر) الكوثر شيء عظيم فاحتاج الحرف القوي لكن آتنا فيها نوع من الرقة واللين. (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) هذا مؤكد أنه ظهر عليه التعب الشديد بوجود اللام و(قد): (قد للتحقيق واللام للتأكيد) كأنه قَسَمٌ محذوف: والله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا). (نصبا) النصب هو أشد التعب. هذا كلام موسى (عليه السلام) أنه تعب. الآن تذكر الفتى فقال (أرأيت) كلمة أرأيت صيغتها صيغة سؤال وحقيقتها تعجيب. يعجّبه من هذا الشيء. أرأيت إلى كذا؟ بمعنى إعجب من أمري.مثل: (أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى).(أرأيت الذي يكذب بالدين). لأنه سيذكر له أمراً عجباً. لما يقول صلى الله عليه وسلمفي الحديث الشريف "فاظفر بذات الدين تربت يداك" تربت يداك في المعجم تعني تعفّرت يداك بالتراب ولكنها في الحديث تعنى ربحت وفُزت. ولذلك نقول دائماً أن الذي يحكم هوالسياق. (أوينا إلى الصخرة) إحتميا بصخرة وناما. (فإني نسيت الحوت) هذا النسيان الحقيقي هو لم ينسى الحوت وإنما نسي أن يخبر موسىصلى الله عليه وسلم بأمر الحوت، فيها إختصار. هل كان الفتى يعلم أن العلامة ذهاب الحوت.؟ لا بد أنه أخبره بالأمر لأنه ما دام السفر طويلاً ولا يعلم مداه فلا بد أن يكون موسى قد أعلم فتاه بهذه الدلالة من دلالة قوله (أو أمضي حقبا) فأنت تستطيع أن تتخلى عني وتقول أن هذا الشرط لا أستطيعه. و نسب النسيان لنفسه نوع من الأدب لأن موسى (عليه السلام) أيضاً نسيه. لم يقل الفتى: أنت تسألني عنه لأن الموعد عند ذهاب الحوت في الماء ونحن نمنا عند الماء فكان تسألني، لكن نسبه لنفسه نوع من التأدب. (وما أنسانيهُ):جمهور العرب قالوا أنسانيهِ (13 راوياً قرأها إنسانيهِ). المصحف الذي بين أيدينا برواية حفص وحفص قرأ أنسانيهُ.الضمة قطعاً أثقل الحركات أثقل من الكسرة فلما كان الأمر ثقيلاً : نسيان سمكة مشويةمأكول منها تدخل في البحر بهذه الصورة ويُنسى بهذا الشكل شيئاً ثقيلاً فجاءت الضمة، إستخدموا الحركة الثقيلة للإخبار عن أنسانيهُ. فناسب ثِقل الضمة ثِقل الواقعة.هذه أندر حالات النسيان فجاء بأندر حالات التعبير لأندر حالات النسيان. هذا شيء عجيب.(أنسانيهُ) مبني على الضم وكُسِر للمجانسة وننظر في مكانه من الإعراب في محل نصب مفعول به.(واتخذ سبيله فى البحرعجبا) ذكر التعجب هنا. (ذلك ما كنا نبغِ): يعني هذا الذي وقع من أمرالحوت هو الذي كنا نبغيه. (نبغِ) يفترض أن يكون فيها ياء: بغى يبغي. الياء هنا في الخط حُذِفت مع أن كُتّاب المصحف أثبتوها في موضع آخر(ستجدني، ولا أعصي). كذلك (تعلّمنِ) حذف الياء. فهنا اختلس الياء أى إختصرها ، لم يشبعها وهكذا قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم.وهنا هو مستعجل على الرجعة يريد أن يعود إلى هذا الرجل فإختصروأسرع في الكلام(نبغِ فارتدا) على سرعة فناسبها سرعة نطق الكلمة بعدم إشباع للياء لأن معناها واضح وهو نوع من الإختصار. (على آثارهما قصصا) يقصّان الأثر يتتبعانه حتى لا يضيعا،هما رجعا إلى الصخرة فوجدا الرجل. لم يذكر القرآن من أين جاء الرجل؟ أهو نبي مرسل؟ ملك؟ ما ذكر لنا شيئاً. * (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) الكهف) (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)) اختلاف الفاء والواو؟ وما الاختلاف بين سربا وعجبا؟(د.فاضل السامرائي) السرب هو النفق (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا) يعني مثل اتخذ نفقاً يسير به مثل الطاق في الماء، هذا عجب. إذن اتخذ سرباً في النهار كيف يصير هذا؟! ذكر فقال (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا) هذا أولاً، عجب! (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا) هو يتحدث ويتكلم، عجباً!. *صفات الرسول في القرآن (رحمة للعالمين) وصفات العبد الصالح في سورة الكهف (وآتيناه من لدنا رحمة) فما الفرق ؟ الرجل الصالح (آتيناه رحمة من عندنا) أُعطي رحمة وعلماً والرسول وُصِف بأنه (بالمؤمنين رؤوف رحيم) أعطاه الله عز وجل صفتين من صفاته أكرمه بهما(رؤوف ورحيم) فهو رحمة للعالمين أى كله رحمة ورأفة بخلاف العبد الصالح أُعطي من الرحمة والعلم.أن يُعطى الإنسان شيئاً غير أن يكون إنسان آخرهوالشيء كله هناك فارق. * (ما الفرق بين (رحمة منا) و(رحمة من عنده)؟ في القرآن يستعمل رحمة من عندنا أخص من رحمة منا، لا يستعمل رحمة من عندنا إلا مع المؤمنين فقط أما رحمة منا فعامة يستعملها مع المؤمن والكافر. رحمة منا: عامة مثل قوله تعالى (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) يس)و(فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (49) الزمر)عامة،(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً (50) فصلت) عامة. (من عندنا): يستعملها خاصة قال على سيدنا نوح (وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِه (28) هود)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف) (وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الأنبياء). حتى (نعمة منا) و (نعمة من عندنا)، يستعمل (منا) عامة و (نعمة من عندنا) خاصة. * النبي واحد والرب واحد وأحياناً الموقف واحد ولكن قد يتغيرالسياق فلماذا هذا التغير؟ هل حصل تناقض رحمة منا أو رحمة من عندنا؟ من أين الرحمة؟ الضمير عائد على الله سبحانه وتعالى إذن ليس هناك تناقض لكن الاختيار بحسب السياق، اختيارالمفردات بحسب السياق لاتتناقض القصتان لكن اختيارالكلمات بحسب السياق الذي ترد فيه. *ما الفرق بين الرأفة والرحمة ؟ الرأفة أخصّ من الرحمة والرحمة عامة. الرأفة مخصوصة بدفع المكروه وإزالة الضرر والرحمة عامة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء)، (فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا (65) الكهف) ليست مخصوصة بدفع مكروه. تقول أنا أرأف به عندما يكون متوقعاً أن يقع عليه شيء. الرحمة عامة (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا (48) الشورى) فالرحمة أعمّ من الرأفة. عندما نقول في الدعاء يا رحمن ارحمنا هذه عامة أي ينزل علينا من الخير ما يشاء ويرفع عنا من الضر ما يشاء وييسر لنا سبل الخير عامة. ))))))))))(د.فاضل السامرائى). * ما الفرق بين (من عندنا) و(من لدنا) في سورة الكهف ؟وما الفرق بين عباد وعبيد؟ (فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنا علما): في الحديث الشريف أن اسمه الخِضْر. سنقف عند كلمة عبد، عباد، عندنا، لدنا كلها فيها لمسات: كلمة عبد في اللغة تعني إنساناً سواء كان مملوكاً أو حُرّاً.(عبداً) ما قال بشراً أو إنساناً لأنه يريد أن يربطه بالعبودية لله تعالى وهي أسمى المراتب للبشر كما قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) في أروع المواطن سمّاه عبداً. جمع عبد: عبيد وعباد. كان يمكن أن يقول عبيدنا لكن جرى إستعمال الناس كلمة عبيد للمملوكين وعباد لعباد الله. والله سبحانه وتعالى يريد أن يُكرم هذا الإنسان فاستخدم له كلمة عباد (عبادنا). وهذا يعطينا إهتمام القرآن الكريم لإستعمال الناس. كلها في الأصل جمع لكلمة عبد الذي هو إنسان ويمكن أن يكون مملوكاً. كلمة عباد من الدرس الصوتي فيها ِعزة وشموخ والياء في عبيد فيها إنكسار وخضوع وهبوط. كان العرب يدركون هذا لأن هذه لغتهم ولذا وقفوا عاجزين أمام القرآن الكريم،.(عبداً من عبادنا) إكراماً له أنه من عبادنا. (آتيناه) الإيتاء غير الإعطاء لأن فيها رفق وتلطف ولين. آتي وأعطى متقاربة في المعنى لكن العين أقرب من الهمزة التي آلت إلى ألف في آتى أصلها أأتى مثل أأدم صارت آدم يقولون نقلت الحركة إلى الهمزة التي قبلها وحُذِفت أو قُلِبت ألفاً ولكنها في الحقيقة أسقطت الهمزة ومدّ الصوت بالحركة التي قبلها فصارت ألفاً. (آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما)) كلمة عند ولدن معناهما متقارب لكن هناك فرق دقيق في اللغة: لدن أقرب من عند وفيها قرب مكاني. قد تستعمل (عند) للشيء البعيد: يقال عندي مال والمال يسرح في البرية، وتقول عندي إبل لكن لا تقول: لدني إبل.والفرق بين عند ولدن في مسافة القرب من المتكلم.عندما نتكلم عن الله سبحانه وتعالى يُنزّه في مسألة المكان لكن تكون مسألة القرب معنوية. قرب (عند) غير قرب (لدن) لذلك قال موسى (قد بلغت من لدني عذرا) أي من أعماقي. لم يقل من عندي لأن لدن أقرب. (رحمة من عندنا) الرحمة واسعة ممدودة فاستعمل لها (عند). (من لدنا علما) لأنه علم الغيب خاص بالله والغيب لدنه سبحانه وتعالى. ولا يقال عنده. في غير القرآن يمكن أن نقول (من عندنا علما) لكن كلمات القرآن الكريم غير. أما الرحمة شاملة واسعة ولو عكس لا يستقيم المعنى لأن الرحمة ليست خاصة بالخِضْر وإنما هي عامة: موسى يدخل فيها وغيره من البشر يدخل فيها. أما علم الغيب فخاصٌ بالخِضْر أوحاه الله سبحانه وتعالى إليه و علّمه اياه ولم يكن علمه. *ما هو العلم اللدُّنّي (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) الكهف)؟ العلم اللدني هو مصطلح للمتصوفة يستعملونه بينهم ويشيرون بذلك الى أن هذا الصوفي أو هذا المتصوف بلغ من مراتب التقرب الى الله سبحانه وتعالى والانصراف اليه أن الله تعالى أطلعه على علم لم يطلع عليه غيره. وهم يبنون هذا على ما جاء في سورة الكهف في قصة موسى (عليه السلام) مع صاحبه الرجل الصالح الذي ارسله الله تعالى الى موسى (عليه السلام) والشيطان في كثير من الأحيان يدخل الى الانسان ويوحي له بأشياء بحيث يظن أنه وصل من أجلها الى العلم اللدني أو العلم الذي لم يعطى الى الآخرين حتى الى الأنبياء وبعض الصوفية يصل بهم الحال الى هذا الحد إذا لم يكن عارفاً بالشريعة (وهناك قسم يفرقون بين الشريعة والحقيقة) وبعضهم قد يستزله الشيطان بحيث يعطّل عباداته فيتوقف عن العبادة بحجة أنه وصل الى درجة لا يحتاج للعبادة لأنه عنده علم لدني هذا بالنسبة للمصطلح. وكلمة لدني (من لدن الله تعالى) أي أن هذا العلم من عند الله تعالى وليس من الكسب الشخصي ويقال لدني أي من لدن الله كلمة لدني منسوبة الى لدن الله تعالى عز وجل (والياء ياء النسب). *د.أحمد الكبيسى : عندنا الآن الفرق بين (عِنْدَهُ) و (مِنْ لَدُنْهُ) أنا أقول أعطيتك مما عندي وأعطيتك مما لدني. مما عندي أنا عندي ممتلكات في كل مكان عندي مواشي في المكان الفلاني وعندي مثلاً أراضي في المكان الفلاني ملكي واسع أنا ملك أنا أمير أنا شيخ أنا ثري أملاكي في كل مكان عندي كذا وعندي كذا الخ إذا أردت أن أعطيك مما عندي أقولك اذهب إلى بني فلان وخذ منهم مائة ناقة، اذهب إلى شركة السيارات واجعلهم يعطونك سيارة من ما عندي، أعطيك شقة من عندي خمس ست عمارات بنايات خذ لك شقة منهم، هذا كله أعطيتك مما عندي لاحظ هذا مما عندي. إذا كان الشيء بيدي عندي أنا أشياء خصوصية جداً أشياء خاصة للغاية لا أعطيها إلا لمن أحب هذا من لدني (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴿65﴾ الكهف) وحينئذٍ أنت لاحظ الفرق (وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا ﴿67﴾ النساء) وانظر إلى هذه الآية (آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴿65﴾ الكهف) الرحمة من عندنا الرحمة ثراء عطاء صحة عافية مُلك غنى من نعم الله الظاهرة والباطنة علينا جميعاً هذا من ملك الله الذي لا تحيط به العقول (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴿49﴾ الشورى) هذا بالأسباب. إذا أعطاك الله من عنده بالأسباب عملك وزير سخّر قلب الملك لكي يجعلك وزيراً، أعطاك مالاً سخّر لك تجارة أو هدية أو عطاء من هنا وهناك وجعلك ثرياً هذا بالأسباب. إذا كان (من لدنه) بدون أسباب هو من عندي رأساً مباشرة. (أتيناه رحمة من عندنا) ورحمة الله في كل مكان المطر رحمة والمياه رحمة والأراضي رحمة كل ما في الكون هذه رحمات هي ملك الله عز وجل فإذا أعطاك ملكاً فهذا (من عنده) ليس مما هو في يده. الآن هذا لكي يبين لك ما الفرق بين أن يعطيك من عنده ومن لدنه معنى أنت عندما تكون من لدنه يعطيك مباشرة من دون أسباب لا بد أن تكون إما نبياً أو تكون قريباً من رب العالمين قرباً خيالياً. (آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) والرحمة في ملك الله لا حدود لها في كل مكان. (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) لا يمكن لأحد أن يعلِّمك يعني علم الله لا يأتي بالأسباب يسمونه علم لدني بدون أسباب. أنت تتعلم بالأسباب تذهب إلى الجامعة إلى المدرسة الثانوية ابتدائية عند شيخ عند أستاذ يعلمك هذا يعلمك علماً لكن إذا كان من لدن الله من دون معلِّم (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) عن طريق شيخ عن طريق مُفَقِّه لكن قال نحن رب العالمين (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) بدون أسباب هكذا شيء (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ﴿5﴾ مريم) لو قال هب لي من عندك كان تزوج واحدة تجيب أولاد وهذا من رب العالمين (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ﴿49﴾ الشورى) الخ هذا من عنده، قال لك أنا كبير وزوجتي عاقر ليس من الممكن أن ننجب أولاد بدون أسباب أعطيني قال (مِنْ لَدُنْكَ) (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا). هذا الفرق بين من عندك ومن لدنك، من عندك بالأسباب سخّر لي أحد عبادك يعطيني، من لدنك مباشرة ورب العالمين قال (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴿90﴾ الأنبياء) يا فلانة كن فيكون روحي احملي فحملت من دون أسباب. هذا الفرق بين (مِنْ لَدُنْهُ) و (عِنْدَهُ). )))))). *هل ذهب الفتى مع موسى في الرحلة؟ لم يذكر أن الفتى ذهب مع موسى (عليه السلام) والخِضر لأن صار الكلام بالمثنى (فانطلقا، فذهبا) ولم يقل فانطلقوا، معناه أنه إلى هذا الحد فتى موسى (عليه السلام) لم يعد معه وموسى (عليه السلام) صار كأنما هو فتى لهذا الرجل وهو التابع. لم يُذكر الفتى، من هنا تبدأ الآيات تُغفِل ذكره وصار لما يُتحدث عن هؤلاء الناس الذين ذهبوا في السفينة يتحدث بالمثنى. *ما اللمسة البيانية في النفي القطعي (لن تستطيع) في الآية (إنك لن تستطيع معيَ صبرا) وفي (معيََ)؟ (قال له موسى هل أتبعك على أن تعلّمن مما علمت رشدا): هو يعلم أن له موعداً مع هذا الرجل وأنه سيتعلم منه لكن مع ذلك لم يقل له أنا عندي علم إني سأرافقك وهذا نوع من أدب التعلّم.(هل أتبعك) هذا السؤال المؤدب، يريد إذناً منه بالإتّباع مع أنه يعرف أنه سيتبعه ويكون معه وهذا أدب التعلم في الإسلام. وجعل من نفسه إبتداءً تابعاً بشرط أني أتّبعك وأخدمك حتى أتعلم وهذا التعلم هو الذي سار عليه سلفنا الصالح فينبغي أن يكون لدينا أدب التلمذة وأدب التعلّم. (على أن تعلمنِ) هذا الذي أريده لنفسي وإشترطه لنفسي، إذن موسى (عليه السلام) يعلم أن هذا الرجل معلَّم قد عُلِّم شيئاً لم يعلمه موسى (عليه السلام) فأريد أن أتعلم ما ُعِّلمت. (أن تعلمنِ مما علمت رشدا) ما يؤدي بي إلى الرشاد وقدّم الجار والمجرور للإهتمام به وللعناية بهذا الذي عُلِّمه لأنه حريص على العلم ويعلم أنه سيكون رشداً. هنا كلمة (تعلمنِ) هذه قراءة وعندنا قراءات أخرى (تعلمني) بالإشباع. نسأل أيضاً لمَ إختلس وقال: تعلمنِ؟ ليس هنا موضع سرعةولكن حتى يعطي صورة لمحاولة تضاؤل التلميذ أمام شيخه فما قال تعلمني أنا. قابل هذا الأدب أدب من المعلِّم في قوله تعالى (معيَ صبرا) ما قال معي بالمدّ لأنه وجده مهذباً مؤدباً يصغّر من نفسه فتواضع معه أيضاً. فضمير المتكلم هنا جاء مقتضباً لأن (معي) فيها مدّ، الياء مدية أما (معيَ) الياء ليست مدّية وإنما قيمتها قيمة حرف صامت ولذلك تحملت الحركة (معيَ) مثل الباء والكاف ومثل أي حرف فليس فيه ذاك المدّ. فهو إذن ناسب (تعلمنِ) (معيَ). هم يقولون الفتحة لتخفيف المدّ بدل أن يمدّ يخفف مدتها هكذا فيقول: معيَ. والقبائل تتصرف بما يناسب المعنى والصوت. والقرآن جاء بلسان القبائل تيسيراً من الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بدعاء رحمة الأمة صلى الله عليه وسلمدعا ربه وطلب أن يخفف عن أمته فلا يلزمهم بحرف واحد. وجاء هذا البيان من القبائل. *من أين علِم الخِضر أن موسى لن يستطيع صبرا بحيث قال له (إنك لن تستطيع معيَ صبرا)؟ موسى (عليه السلام) من أهل هذه الدنيا وصاحب شريعة، صاحب نظام حياة لزمانه فهو يعامل الأمور على ظاهرها وعندنا: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان. نحكم على الناس بالظاهر ولا نقول هذا دخيلته كذا. فموسى (عليه السلام) يعلم الظاهروالخِضرأُعطي في هذه الجزئيات علم الغيب. فلا يمكن أن يصبر موسى (عليه السلام) على شيء مخالف للشريعة فيما يراه لأنه في الظاهر مخالفات شرعية ولذلك كان الخضر مطمئناً أن موسى (عليه السلام) لن يصبر ولا سيما أن طبيعة موسى (عليه السلام) فيها شيء من الإنفعال. فرق عظيم بين الرسل، بين رسول ورسول: محمد صلى الله عليه وسلميُضرب بالحجارة ويقول: اللهم إهد قومي"، موسى (عليه السلام) شديد عنده نوع من الشدة: رجل من شيعته (فوكزه موسى فقضى عليه) بلكمة قضى عليه، وثم مرة ثانية أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما (لن أكون ظهيراً للمجرمين). لذلك سنجد أن عجلة موسى وشدته سنجدها في قوله تعالى (إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني) سددت على نفسك المنافذ. (لن تستطيع معيَ صبرا): العلم الذي عند موسى (عليه السلام) هو علم ظواهر الأشياء والعلم الذي عند هذا الرجل الصالح هوعلم الغيب ولاموسى ولاغيره يملك شيئاً من علم الغيب إلاإذاعلّمه الله عزوجل ذلك.(ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) إذن ما كان الرسول صلى الله عليه وسلميعلم الغيب إلا بمقدار ما يعلّمه الله عز وجل. فمن هنا جاءت ثقة الخِضر أن موسى لن يستطيع معه صبرا. والخضر يعلم أن هذا نبي الله موسى (عليه السلام) لأنه قيل له ذلك وعلم من سيقابل وكيف سيكون معه؟ إنسان من هذه الأرض وهو ملتزم بالشريعة لا يمكن أن يسكت على هذا الذي فعله الخضر، موسى (عليه السلام) نُبِّه ولذا نقول عنده نوع من الإستعجال في تصرفه فقال له (إنك لن تستطيع معيَ صبرا) وبيّن له (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا) شيء لا تعلمه لا تعلم بواطنه لا تسكت عليه. قال: (ستجدني) ذكر الياء كاملة لأنه موطن معاهدة وينبغي أن يُظهر بشخصيته الكاملة (ستجدني إن شاء الله صابراً) علّق الأمر على المشيئة، (ولا أعصي لك أمرا) أيضاً مجال عهد أنه سأكون تابعاً لك كأي تابع. (ستجدني، أعصي) هنا موطن معاهدة هذا شخصي كاملاً أعاهدك على هذا. هذا في الدرس الصوتي كيف توظيف الأصوات من إطناب، إيجاز، إطالة، إختلاس الصوت، مدّ الصوت، لذلك هذه المدود التي يتكلم عنها علماء التجويد مدّ حركتين أو أربعة أو ست لها دخل بإيحاء المعنى. صوت المعنى يكون نوع من الظلال للمعنى والإيحاء للفظ، المعنى اللفظي معلوم لكن يكون هناك إيحاء وظلال للفظ. (فإن إتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا): إشترط عليه شرطاً: أنت تريد أن تتبعني فلا تسألني ولم يقل فإن إتيعتنيَ فلا تسألنيَ بفتح الياء.ما إختصر لأنه في مكان معاهدة وفي المعاهدة كل شخص يكون بكيانه. *ما الفرق بين الإمر والنُكر؟ (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)) الإمر الشيء العظيم الذي يأمر الناس بعضهم بعضاً بعدم فعله، بينما النُكر ما هو شيء منكر عظيم شيء تنكره الفطرة والشرائع ولهذا جاء مع القتل. ومما يأمر الناس بعضهم بعضاً أنه من أحسن إليك لا تسيء إليه ولا تعرّض الآخرين للخطر. قد يقول قائل إغراق مَنْ في السفينة أكثر من قتل نفس لكن الإغراق غير متحقق لأنه قال (أخرقتها لتغرق أهلها) هذه اللام هنا لام العاقبة أو لام النتيجة كما قال تعالى (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزنا) هم ما التقطوه لهذه الغاية لكن نتيجة إلتقاطه سيكون كذا.والعبد الصالح لم يخرق السفينة ليغرق أهلها ولكنه تصور موسى (عليه السلام) أنه سينجم عن خرقها إغراق أهلها. إضافة إلى ذلك يبدو أن السفينة لم تكن في عرض البحر ولم تكن قد سارت بدليل: (حتى إذا ركبا في السفينة خرقها) ولم تكن في عرض البحر، هم بمجرد ركوبهم خرقها. (إمرا): أنت عرّضت أهلها للخطر. ما غرق أحد بينما هناك وقع القتل فعلاً. لذلك إيقاع القتل جريمة كبيرة بينما هنا إفساد سفينة أو تخريب سفينة تُعرّض الركاب للخطر لكن لم يصبهم شيء. فقطعاً رأى الناس يتسابقون للخروج من السفينة لما بدأ الماء يدخل وبدأ الناس يقولون بدأت السفينة تغرق. * لماذا موسى هو الوحيد الذي يعترض؟ هو يقيناً كان بحيث لا يراه أحد لأنه لو أراد أن يخرق السفينة لأخذوا على يديه. ربما هو نزل وحده إلى الأسفل وبدأ يخرق فلم يره إلا موسى (عليه السلام) فالسفينة ما زالت في طريقها ولذلك في الحديث أنه جاء عصفور وقف على حافتها أو حرف السفينة فنقر نقرة من الماء. معناه أنه قريب من الشاطئ، من ساحل النهر والنهر حلو لأنه لا يمكن أن ينقر العصفور من ماء البحر المالح. *ما دلالة كلمة (لك) في قوله تعالى (ألم أقل لك انك لن تستطيع معى صبرا) في سورة الكهف؟ زيادة (لك) للأهمية كما جاء في سورة الكهف (ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) وفي الآية الأخرى (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا). ففى الآية الأولى كان المقصود بالقول أنه عام وليس موجها لموسى عليه السلام أما فى الثانية فتفيد أنه قد وجه اليه القول.وقد تفيد التلطف في التلطّف عادة لا نواجه الشخص فنقول له (قلنا لك) في المرةالأولى قال موسى (عليه السلام) (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)) هنا لا تؤاخذني بما نسيت كان فعلاً نسيان أو غفلة.الإرهاق هو أن تحمّل الإنسان فوق ما يطيق, والعسر هو ضد اليسر. في المرة الثانية قال (ألم أقل لك) صارت أشدّ . أنا كان كلامي معك وليس مع غيرك. في المرة الثالثة قال (هذا فراق بيني وبينك) فصار الترتيب طبيعياً. في البداية (ألم أقل) ألم يصدر مني هذا الكلام؟، في المرة الثانية الكلام صدر لك مباشرة (ألم أقل لك) وفي المرة الثالثة إنتهى الأمر. *د.فاضل السامرائى: عندما تبِع موسى الرجل الصالح حمله في السفينة طلب منه ألا يسأله عن شيء حتى يحدث له من أمره ذكراً وسيدنا موسى لم يصبر فكان يعترض ركب السفينة الرجل الصالح وخرق السفينة فاعترض موسى (قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) فقال (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) هذه في المرة الأولى. في المرة الثانية قتل الغلام فاعترض عليه (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)) فقال له (أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا) جاء بـ (لك) لأنه ما انتبه للتذكير الأول فأنكر عليه إنكاراً شديداً في المرة الأولى الإنكار كان خفيفاً فقال له موسى لا تؤاخذني بما نسيت فلم يلتزم فصار الإنكار أشد كما نفعل في حياتنا اليومية نقول لأحدهم في المرة الأولى: قلنا لا تفعل ثم المرة الثانية نقول قلنا لك لا تفعل. أول مرة كان الإنذار برفق وهدوء وفي المرة الثانية لمالم يرعوِ(لم يأخذ العبرة والعظة) ولم ينتبه أنكر عليه بشدة.)))))))). (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله) كلمة غلام يقصد بها جنس الذكر من المولودين يسمونه غلاماً منذ أن يولد إلى أن يراهق والبنت تسمى بنتاً. الغلام هو الذي يغتلم يعني يصل إلى سنٍّ يشتهي الأنثى والصبي خلال ذلك. الصبي هو أيضاً الذي يصبو إلى الجنس الآخر. تفاؤلا مثلما سمّت العرب فاطمة تفاؤلاً بأنها ستكبر وتلد وتُرضِع وتفطم، وسمّت عائشة بأنها ستعيش,والعرب تسمي الصحراء مفازا والملدوغ سليم.طبيعة الإنسان يحب الذكور أكثر فمن وُلِد له غلام فيها نوع من التفاؤل. لأن الذكر يشتغل معه ويحارب، لكن الإسلام خاطب الرجل كما خاطب المرأة ورفع من شأنها كثيراً. كم كان سِنُّ هذا الغلام؟ لم تحدده لنا السورة. لكن من يُرهِق أبويه طغياناً وكفراً ويُخشى أن يستمر في هذا لا شك أنه كان بالغاً أوكان قريباً من مرحلة البلوغ. هذا من خلال الجو العام (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) يعني أن يزيد في هذا. (حتى إذا لقيا غلاماً فقتله) السؤال: هل كان بإمكان موسى (عليه السلام) أن يسكت؟هو أُريد له أن يُعلَّم أن علمه علم شريعة ظاهر، هناك مساحة فيما إختص الله عز وجل بعلمه حتى فيما ورد في بعض الأمور في القرآن في علمه. المعنى اللغوي والمعنى المفهوم وما في القرآن آية إلا وهي مفهومة، لكن ما وراءها. وسنأتي للكلام عن التأويل لاحقاً. (قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) شيء عظيم ومن النظر في هذه العَظَمة سنجد بعض الآراء ولعل الذي نميل إليه أن الخضر لما أراد أن يحكي هذه القضية لأنها قضية عظيمة عظّم نفسه قال: (خشينا) بالتعظيم لأنها مسألة عظيمة. هنا قال موسى (عليه السلام) (إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني) والرسول صلى الله عليه وسلمقال: رحِم الله موسى لو صبر لتعلّمنا منه الكثير من هذه الأمور. فموسى (عليه السلام) قطع على نفسه الطريق وكان في عجلة (وعجلت إليك رب لترضى). موسى (عليه السلام) هو أعطى على نفسه هذا الأمر . (فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا) لدني: أي من أعماقي كأن هذا الذي في قلبي أنت وصلت إليه ولذا لم يقل (بلغت من عندي). وصلت إلى هذا الموضع بحيث لا مجال فيه للإجتهاد بعد ذلك. ورتل القرآن ترتيلاً : (قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا (76)) تأمل هذا التصوير في إعذار العبد الصالح فلم يقل له موسى (فلا تصاحبني فإني عاذرك أو أُعذرك) بل سلك معه طريق المبالغة فقال (قَدْ بَلَغْتَ) أي قد وصلت إلى العذر في قطع الصحبة. وكأن العذر مكان يُقصد وهو النهاية. والعبد قد قطع المسافة وسار إليها حتى بلغ النهاية وهي الإعذار بهجر موسى. *ما السبب في تنكير الغلام وتعريف السفينة ؟ حسب التفاسير أن الخضر وموسى (عليه السلام) لم يجدا سفينة لما جاءا إلى الساحل ثم جاءت سفينة مارّة فنادوهما فعرفا الخضر فحملوهما بدون أجر ولهذا جاءت السفينة معرّفة لأنها لم تكن أية سفينة. أما الغلام فهما لقياه في طريقهم وليس غلاماً محدداً معرّفاً. (فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية إستطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما) أنا أستضيفك يعني أطلب منك أن تجعلني ضيفاً لأن الهمزة والسين والتاء فيها معنى الطلب وليس كما نستعملها الآن. قال:إستطعما أي طلبا الطعام وهى تحتمل أمرين: تحتمل ضيافة وتحتمل شراءً. قالت الآية (فأبوا أن يضيفوهما) إذن كان الإستطعام ضيافة، المفروض أن يضيفوهما كما كان يصنع العرب قديماً ًبل بعضهم كان يخرج من داره وأول مارّ يقول له تعال نأكل لأنه لا يُحسن أن يأكل لوحده، وبعضهم كان يوقد ناراً في الصحراء حتى يراها الأضياف. (فأبوا أن يضيفوهما) كانوا بخلاء وللتشهير بهم وإظهارهم لم يقل القرآن (هذه القرية) أو حددها؟ الأشياء التي ليس فيها نفع لا يذكرها القرآن. ليست هناك بلدة يقال عنها أن أهلها بخلاء وإنما هناك أفراد في كل بلدة بخلاء وفيها كِرام. * د.فاضل السامرائى):ما دلالة خلو خرقها من الفاء؟ وما دلالة الفاء مع (فقتله)؟ (حتى إذا ركبا في السفينة) (ركب) فعل الشرط و(خرقها) جواب الشرط. (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا (74)) (قال) هو جواب الشرط وليس (فقتله)، (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)) قال لو شئت هذا جواب الشرط والباقي معطوفة على فعل الشرط. يبقى السؤال لماذا قال (خرقها) بدون فاء؟ الخرق لم يتعقب ركوب السفينة لم يحصل مباشرة وإنما بعد أن ركبا في السفينة وذهبا إلى المكان الذي أرادوه إذن لم يعقبها والفاء للتعقيب. أما الغلام فأول ما لقاه قتله فجاء بالفاء قتله مباشرة (حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ) والخرق لم يحصل هكذا الغلام بمجرد أن لقاه قتله دون كلام ولا شيء ولهذا اعترض موسى (عليه السلام). وكذلك (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا) قسم قال استطعما هو جواب الشرط وقسم قال هذه صفة القرية أن هذه القرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما وجواب الشرط (قال لو شئت) قسم قالوا استطعما أهلها جواب الشرط وقسم قالوا لا، حتى إذا أتوا أهل قرية ما هذه القرية؟ ما صفتها؟ ما شأنها؟ استطعما أهلها جملة صفة لقرية (المضاف إلى نكرة نكرة، قرية نكرة) (استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما) هذا كله من الاستطعام قالوا (قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) هذا جواب الشرط وأنا أميل لهذا لأن الأولى أنهم أول ما دخلوا القرية استطعموا أهلها. دخلا أهل قرية هذه صفتها قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً بعد أن حصل ما حصل.)))))))). *ما دلالة تكرار كلمة الأهل في الآية (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ؟ حتى يكرر ذكر الأهل تشنيعاً بهم. وينفر من ثقل توالي الضمائر في هذه الكلمة التي تطول لو قال (إستطعماهم). الكلام صار على إثنين معناه فتى موسى لم يعد معهم. (فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه) الكلام أن الذي وجده هو الخِضر لكن يصير الكلام على الإثنين لأن المتبوع هو الأصل والتابع لاحق. (فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض) نسب الإرادة إلى الجدار معناه كأنه يوشك ويرغب، هو يريد أن يبين لنا أنه قارب الإنهيار، الإنسان إذا أراد شيئاً يحاول أن يفعله فأضفى الحياة على هذا الجدار وأعطاه إرادة حتى يصوّر لنا كيف أنه متهاوٍ، يكاد يسقط، يريد أن ينقض. (فأقامه) هذه الإقامة والتعديل هل هدّمه وأعاده. هل مسح عليه ورجع؟ هو بذل جهداً في شيء، أصلحه. أُناس لم يكرموهم ولم يطعموهم جاء إعتراض موسى خفيفاً رقيقاً . (لو شئت لاتخذت عليه أجرا) هو إعتراض ضمني: أنت ضيّعت علينا فرصة الطعام (لو شئت لاتخذت عليه أجرا) فأنت لم تتخذ أجراً لأنك ما شئت. وكان يمكن أن تشاء وتأخذ أجراً فنأكل. (لو شئت) إعتراض. فقال الخِضر (هذا فراق بيني وبينك) : تكلمنا على كلمة بين (مجمع بينِهما). هنا لو قال هذا فراقٌ بيننا أو فراقٌ بيني وبينك ينصب على الظرفية، ينوّن وينصب، لكن تكون البينية عندئذ للفراق غير ملازمة ويمكن أن يعودا مرة أخرى للقاء. (هذا فراقُ بيننا بيننا) كأن الفراق صار فاصلاً بيننا. (هذا فراقُ بيني وبينك) هو أضافها ولم أجد قراءة بالتنوين حتى في القراءات الشاذة معناه أن جمهور العرب كانوا يفهمون هذا النوع من الإضافة. لما قال (هذا فراقُ بيني وبينِك) كأنه جعل لنفسه بيناً، مساحة وله بيناُ فهما بينان وتملّك هو بيناً وملّك ذلك بيناً آخراً. فهذا البين مملوك لا ينفك عني وبينك لا ينفك عنك. فلا مجال للقاء بعدها. وصار البين مملوكاً لا أستطيع أن أتخلى عنه، أضافه والمضاف والمضاف إليه كالكلمة الواحدة. أضاف الفراق لـ (بين) (فراقُ بيني) هذه المساحة ملك وفراق بينِك معطوفة، العطف على نية التكرار: فراق بيني وفراق بينك. والإضافة معناها المِلك أن يُنسب الشيء إليك فصار البين منسوباً لي والبين منسوباً لك فلا مجال فيه للقاء وفعلاً لم يتم لقاء ولا يمكن أن يكون لقاء بعد ورتل القرآن ترتيلاً : (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا (77)) الإيجاز من البلاغة (خير الكلام ما قلّ ودلّ). وفي ذكر الضمير ما يُغني عن إعادة اللفظ فكان حذف (أهلها) والاستغناء عن ذِكره بالضمير أحصر. فلِمَ قال (اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا) ولم يقل: أتيا أهل قرية استطعماهم؟ آثر القرآن إظهار لفظ (أهلها) دون الإتيان بضميرهم بأن يُقال "استطعماهم" لزيادة التصريح تشنيعاً بهم في لؤمهم إذ أبوا أن يضيفوهما. وذلك لؤم لأن الضيافة كانت شائعة في الأمم من عهد إبراهيم عليه السلام وهي من المواساة المتّبعة عند الناس.)))) *ما دلالة استخدام فعل(سأنبئك)؟ الفعل أفعل إذا جاء لزمن أقصر من فعّل مثل علّم وأعلم ونبّا وأنبأ. (سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)).هذا ليس إنباءً وإنما تبيين من نبّأ لأن فيها كلام كثير (أما السفينة، أما الغلام، أما الجدار) فهي ليست مختصرة. (سَأُنَبِّئُكَ) بالتشديد لأن فيه توضيح ولم يقل (أُُْنبئك) لأن الإنباء للشيء الموجز المختصر.المضعّفة يعني فعّل من النبأ جاءت في ستة وأربعين موضعاً كما في سورة يوسف (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)) لأنهم يريدون شرحاً مفصّلاً للرؤيا ولم يقل أنبئنا مختصرة. أنبأ لم ترد إلا في أربعة مواضع. نبّا وتفصيلاتها وردت في ستة وأربعين موضعاً. وحيثما وردت ما دام فيها تلبّث وزمن فلا تُقرأ بالتخفيف. (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) كان يستطيع أن يقول هذا فراق بيني وبينك ويذهب وتنتهي القصة. لكن أراد أن يبين لموسى(عليه السلام) هذه التصرفات التي لم يسكت عليها وهى أمور غيبية لا يعلمها. كلمة التأويل لها معنيان: الأول بمعنى التبيين أو البيان والتفسير كأن يفسّر قوله (سأنبئك بما لم تستطع عليه صبرا) أي هذا السؤال الذي سألته تسبب في أن يفارق بعضنا بعضاً نشرحه ونبيّنه ونفسّره، هذا التبيين والتفسير. والثاني: التأويل هو معرفة حقيقة بواطن الأمور التي هي مما إختص الله تعالى بعلمه بيان حقيقة الشيء وبيان ماهيّته. هنا المراد بالتأويل بيان الحقيقة. (وما يعلم تأويله إلا الله) أي وما يعلم حقيقة أمره إلا الله سبحانه وتعالى، والراسخون في العلم يقولون كل من عند ربنا كأوصاف الجنة على الحقيقة: ما حقيقة هذا النعيم؟ (ما لم تستطع) جاء بالفعل كاملاً لأنه مقبل على إيضاح وإعلان وشرح وعلى كمال. (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)): (أما السفينة) بدأ من أول الأحداث. (أما) حرف تفصيل، تقول حدثت أمور أما الأمر الفلاني فكذا وأما كذا فكذا. وما بعدها مبتدأ وخبر (السفينة): مبتدأ وكانت خبر للمبتدأ. (لمساكين) كلمة مساكين دخلت عليها لام المِلك. السفينة كانت ملكهم ومن هناحاول بعض العلماء أن يفرّق بين الفقراء والمساكين. يمكن للمسكين أن يكون مالكاً لشيء لكن هذا المِلك لا يسد كل حاجته فيستحق من مال الله، من الزكاة.أما الفقير فلا يملك شيئاً، قد يكون عنده قوت يومه لكنه لا يملك مجال عمل ولا يملك شيئاً أصلاً فيقال هو فقير. الغني هو الذي لا يحس بحاجة ونحن بحمد الله أغنياء لا نحس بالحاجة لشيء والفضل لله تعالى من قبل وبعد. قد يكون لأحدهم مال كثير ولكنه يتضور إذا رأى غيره عنده شيء لا يملكه هو فيشعر بالفقر. لأن الغنى غنى النفس. (لمساكينََ) قد يسأل البعض أن مساكين جاءت بعد حرف الجر اللام فكان يجب أن تكون مجرورة ولكنها في الآية مفتوحة وذلك لأن مساكين ممنوع من الصرف لأنهاعلى صيغة منتهى الجموع فيُجرّ بالفتحة نيابة عن الكسرة.(يعملون في البحر) على سفينتهم. (فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غضبا) هنا الإرادة نسبها لنفسه بصيغة الإفراد، ما قال: فأردنا أن نعيبها لأن فيها معنى العيب: إنسان يصنع شيئاً فيه عيب لا يفخّم نفسه أن يخلع لوحاً من سفينة ويحدث عيباً فلما أحدث عيباً لا يتناسب العيب مع التفخيم ولا مجال لتعظيم نفسه ولا تصح نسبة العيب لله سبحانه وتعالى يقيناً، ما فعله بوحي من ربه وهو بعد ذلك سيقول (ما فعلته عن أمري). القدر كله خيره وشره من الله تعالى. هذا الأدب الذي ينبغي أن يتعلمه الناس وحتى في اللفظ يتأدب مع الله سبحانه وتعالى. نسب لنفسه هذا الفعل على سبيل الإفراد (فأردت) لأن فيها كلمة العيب (أن أعيبها) لا يتلاءم مع التعظيم. (فأردت أن أعيبها) باستعمال المصدر المؤول ولم يقل فأردت عيبها لأنها تعني طلبت عيبها أو فتشت عن عيب فيها فلا يستوي هنا. فلا بد أن يقول أردت أن أعيبهاحتى ينسب العيب إلى نفسه مع الإرادة بهذه الصيغة صيغة المصدر المؤول. (وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غضبا): طبيعة السياق أن يقول وكان أمامهم ملكّ. كلمة وراء في لغة العرب أحياناً تستعمل لما ينتظرك. تقول للإنسان وراءك عمل كثير. ليس بمعنى خلف ظهرك وإنما ينتظرك عمل كثير. ولذلك قال تعالى (ومن ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد) يعني تنتظره جهنم والعياذ بالله. * رأى د.فاضل السامرائى: أولاً الوراء من حيث اللغة يكون خلفك أو قدامك. حتى هم قالوا الوراء خلف لكن إذا كان مما تمر عليه والملاحظ أنه إذا كان الأمر يطلبك تقول وراءك وإن كان أمامك (وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) الإنسان) (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ (16) إبراهيم) وهي أمامه ترصده تطلبه. إذا كان الأمر يطلب الشخص نقول وراءه. نحن الآن نقولها في كلامنا وراءك امتحان، أو وراءك شغل كأن الشيء يطلبك. وفيها دلالة أخرى أنه لو قال أمامك نقول له إرجع وراءك لكن هذا وراءك، حالة تهديد ووعيد فيها. )))))). (يأخذ كل سفينة غصبا): يأخذها غاصباً يأخذها عنوة من غير مقابل لأنه قيل أن الملك داخل معركة ويجهز جيشه فتأخير السفينة لغرض أن يمشي هذا الملك بمن معه من أسطول للمعركة فينجو هؤلاء المساكين بسفينتهم. ليس المعنى أنه لم يكن يأخذ السفينة المعيبة ولكن تعني أنها لا تصل إليه. أردت أن أعيبها، لماذا؟ لأن وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا فالعيب يؤخرها، كيف تُصلح السفينة؟ تُسحب إلى الشاطيء، تُفرّغ من الماء، ويعود اللوح إلى مكانه ويُطلى بالقار وترجع السفينة إلى ما كانت عليه ولا تبقى معيبة لأن هذا إضرار بالمساكين. غاية ما في الأمر تأخير هؤلاء المساكين عن وصولهم إلى الملك وفعلاً حصل تأخير، سُحِبت السفينة وفُرِّغت من الماء وأعيد اللوح إلى مكانه وطُلي كأي ضرر يصيب أي سفينة وتعود. إذن الغرض من عيب السفينة التأخير. (غصبا) إستعمل المصدر كان يمكن أن يقول غاصباً أهلها لكن المصدر في اللغة أقوى من المشتق لأنها كلها تؤخذ منه. المشتق هم إسم الفاعل، إسم المفعول أو غيره. قال: يأخذ كل سفينة غصباً كأنه يغصبهم غصباً على ذلك وهي فيها معنى الحال لكن فيها معنى التوكيد أيضاً. وهنا فيه معنى المصدرالمشتق وفيه معنى التوكيد (غصبا) ما قال غاصباً. المصدر أقوى بلا شك كما في قوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) لم يقل يهدي وإنما قال هدى للمتقين لأنه في كيانه هدى فالمصدر أقوى. والكلام الفعل مشتق من المصدر والدراسة الحديثة تقول الفعل هو الأصل لأنه يحدث فعل ويكون محتوياً على حدث وزمن. لكن المصريون يستدلون بإستدلالات عقلية ويبنون على بعض الجوانب اللغوية أن المصدر حتى أنهم يقولون من إسمه يصدر عنه، يقولون أنتم سميتموه مصدراً. * ما الفرق بين استعمال السفينة والفلك ؟(د.فاضل السامرائى) السفينة لم يستخدمها إلا إذا عيّن أصحابها والفُلك عام. (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ (79) الكهف) إذا عيّن أصحابها(فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ (15) العنكبوت) يستخدم سفينة أما الفُلك فمطلقة. ليس هناك تناقض. * ما الفرق بين الفقير والمسكين؟(د. فاضل السامرائي) أهل اللغة مختلفين فيها من هو الفقير ومن هو المسكين؟. قسم يقول الفقير من له دون النصاب، يعني أدنى الشيء، قليل هذا الفقير والمسكين من لا شيء له. الفقيرعنده دخل لكن لا يكفيه، دون النصاب. المسكين ليس عنده شيء يستدل بقوله (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) البلد) متربة يعني لاصق بالتراب. قسم يذهب ويقول لا، يقول المسكين عنده شيء بدليل قوله تعالى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ (79) الكهف) عندهم لكن لا يكفيهم. أهل اللغة مختلفين من هو الفقير ومن هو المسكين؟. يقولون المسكين من السكون والسكينة كأنه لاصق بالتراب لا يتحرك. المسكين صيغة مبالغة من سكن (على وزن مفعيل) هناك أكثر من 16 صيغة مبالغة، (مفعيل) صيغة مشهورة مثل منطيق قوي الحُجّة، معطير، فالمسكين من أوزان المبالغة. * إذا حاولنا أن ننظمهم في سلسلة من الأقوى العائل أم الفقير؟ يدخل في أحد هؤلاء، هو محتاج عموماً فقير أو مسكين، كل الأشياء التي تذكرها ستدخل فيها، قسم الفقير من الفقار كأنما فقرته مكسورة من الفقر. * هل لها علاقة بالفقرة؟ كأنما هكذا. هكذا يقولون الفقير كأنما فقرته مكسورة. على أي حال، قسم ذهب إلى أن الفقير ليس عنده شيء والمسكين عنده شيء ولكن لا يكفيه وقسم قال الفقير عنده والمسكين ليس عنده شيء . * وحضرتك تميل إلى أي رأي؟ أنا أميل أن الفقير أقوى من المسكين، أبدأ بما بدأ الله تعالى به، لما ذكر الحاجة بدأ بمن هو أحوج (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا (60) ورتل القرآن ترتيلاً : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا (79)) انظر إلى دقة اللفظ القرآني. فالعبد يقول (فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا) ولم يقل "فعبتُها" ليدل على أن فعله وقع عن قصد وتأمل. وفي قوله (أَنْ أَعِيبَهَا) لطيفة أدبية. فقد أسند العيب إلى نفسه فقال (أَنْ أَعِيبَهَا) وفي قصة الجدار قال (فَأَرَادَ رَبُّكَ) فيكون قد أسند ما ظاهره الشر لنفسه فقال (أَنْ أَعِيبَهَا) وأسند الخير إلى الله تعالى فقال (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا (82)) وفي هذا تعليم للعباد الأدب مع الله جل وعلا. )))) *ما الفرق بين (خشينا) و (أردنا) ؟ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)): (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) هناك خشية من أين علمها؟ لا شك أن بعض ما أُعلمِ به من تصرفه، لها دلائل..الإرهاق تحميل الإنسان فوق ما يطيق. طغياناً وكفراً: طغياناً حال كونه طاغياً وحال كونه كافراً فيرهقهما من طغيانه كفره فهو لا يكون كافراً إلى أن يبلغ مرحلة السؤال. معنى ذلك أنه معذِّب لأبويه بكفره وطغيانه وهما مؤمنان. فإذن كان كبيراً وليس في مرحلة الطفولة الصغيرة جداً. الأبوين عادة لما يكون ولدهما بهذه الصورة يحرصان على إيمانه، على إسلامه وهو يعذّبهما، يحملهما فوق ما يطيقان عند ذلك يتجهان إلى الله سبحانه وتعالى أن يبدلهما خيراً منه: يدعون: اللهم أبدلني خيراً من هذا.ممكن هذا المعنى هو السبب في إستعمال الجمع. (فخشينا أن يرهقهما) هناك قال: فأردت وهنا قال: فخشينا البعض يقول : إشتراك الخضر مع الأبوين في الخشية والإرادة أي (الخِضر) والأبوين، يحتمل هذا المعنى: كانا يخشيان ذلك ومن معهما المنفّذ الذي سينفّذ القتل (فأردنا) إرادة دعاء أنا وأبويه كأنما أطلعه الله عز وجل على ما كان يدعو به أبوا هذا الغلام، هذا وجه. والوجه الثاني يمكن أن يكون قوله (فخشينا) إدخال موسى (عليه السلام) معه بإعتباره تابعاً هنا. هذه واحدة ثم لأنه لم يأخذ على يده فيمنعه من القتل. موسى (عليه السلام) إعترض بعد القتل. جاء رجل لشخص يقتله تكفّه وموسى (عليه السلام) قوي (فوكزه موسى فقضى عليه) (فسقى لهما) وحمل الصخرة فكان يستطيع أن يمسك بالرجل لكن هو إنتظر لما ينهي الموضوع ثم قال لِمَ قتلته؟ فكأنه أشركه معه. والحالة الثالثة التي أميل إليها أن القتل أمر عظيم فيحتاج إلى معظّم لنفسه أن يفعل هذا الفعل (فأردنا). قلنا هناك صغّر نفسه لأن فيه عيب (فأردت) لكن هذا قتل نفس وإنتظارودعاء من الله سبحانه وتعالى أن يعوضهما خيراً منه فاستعمل صيغة المعظّم لنفسه (فخشينا): لم يقل أنا تجرأت على القتل ولكن قال نحن تجرأنا بتعظيم نفسه (فأردنا أن يبدلهما ربهما) عظّم نفسه لعظمة الحدث. هذا الفساد المحتمل (فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا) جعله الخِضر واقعاً وهو واقع لأنه تعالى أعلمه بشأن هذا الغلام وهذا في الغيب وأطلعه على غيب هذا الغلام. هذا من الخير لأن الله سبحانه وتعالى حاشاه أن يختار لعبده المتوكل عليه ما هو غير خير. - وهناك رأى آخر فى الفرق بين (أردت) و (أردنا)و(أراد ربك ): (د.فاضل السامرائى) الملاحظ في القرآن كله أن الله تعالى لا ينسب السوء إلى نفسه أما الخير والنِعم فكلها منسوبة إليه تعالى كما في قوله (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسّه الشر كان يؤوسا) ولا نجد في القرآن فهل زيّن لهم سوء أعمالهم أبدا إنما نجد (زُيّن لهم سوء أعمالهم) وكذلك في قول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (الذي يميتني ثم يحيين) وقوله (وإذا مرضت فهو يشفين) ولم يقل يمرضني تأدباً مع الله تعالى. ففى حادثة السفينة الله تعالى لا ينسب العيب إلى نفسه أبداً فكان الخضر هو الذي عاب السفينة فجاء الفعل مفرداً. أما في حادثة الغلام ففيها جانب شر وهو قتل نفس زكية بغير نفس وجانب خير وهو الإبدال بخير منه فأصبح فيها مشترك فجاء لفظ (أردنا) .أما في قصة الجدار فالأمر كله خير فتحت الجدار كنز وأبو الغلامين كان صالحاً والأمر كله خير ليس فيه جانب سوء فأسند الفعل إلى الله تعالى فقال (أراد ربك). - رأى ثالث يقول أنه قد يكون على لسان الخضر تأدبا منه.). (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)) كلمة (يتيمين) تدل على صِغر الغلامين لأنه لا يُتم بعد بلوغ .في قوله تعالى (في المدينة) : -يمكن أن تسمى القرية مدينة ويردون على هذا شواهد. - لكن يمكن أن تكون الألف واللام هنا للعهد يعني كأنما لمدينة مررنا بها. فإذن هما كأنهما تركا هذا البيت كأنما البيت مهجور فهما ليسا في القرية وإنما في المدينة، يمكن أن يكونا عند من يربّيهما ثم يعودان بعد ذلك إلى هذه الخرِبة المتروكة التي يريد أحد جدرانها أن ينقضّ فأقامه. يمكن أن يكون هذا لم تسمى القرية مدينة ولكن في مدينة مرّا بها في رحلتهما قريبة من القرية. الكلام ينصب على أهل القرية وعلى البيت لليتيمين في القرية. أما اليتيمان فلم يكونا في البيت وإنما كان في تلك المدينة عند من يرعاهما. وليس هناك من يرعى هذا الجدار فيقيمه. وقد يكون فعلاً هي هذه القرية وهما في هذا البيت الخرِب. (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا): الجدار قطعاً هو في القرية الذي لا يُكرِم ضيفاً لا يعتني بيتيم أيضاً، هذا الذي يجعلني أميل أن اليتيمان كانا في مدينة قريبة ثم ما من أحد من هؤلاء في القرية فكّر في أن يقيم جدار هذين اليتيمين و أنه قد يسقط على اليتيمين. *ما اللمسة البيانية في تنكير كلمة (غلامين) وتعريف (الجدار)و (المدينة)؟ (وأما الجدار) أي الجدار الذي ذكرته من قبل هذه تسمى(أل العهدية) لأن العهد إما أن يكون ذهنياً أو ذكرياً: ذكرياً أن يذكر الشيء من قبل، ذهنياً أن يكون حاضراً في الذهن كما في قوله تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للناس) لم يذكر الكتاب من قبل لكنه حاضر في الذهن لأن الكلام عليه. كلمة غلام نكرة (لغلامين) ثم ذكر من صفاتهما أنهما يتيمان. (لغلامين يتيمين) هذا المقدار يكفي. أما أنه لو قال للغلامين سيُقال له: أيُّ غلامين؟ هما موسى (عليه السلام) والخضر جاءا إلى قرية وهذا الجدار يريد أن ينقض والله سبحانه وتعالى يعلم أنه لطفلين مات أبوهما،. وهو لم يتحدث عنهما سابقاً.لو ذكرهما سابقاً يعود بعد ذلك للتعريف وتسمى أل العهدية كأن يقال لك: سأل عنك رجل فتقول لقيت الرجل (أي الذي سأل عني). بدأ نكرة ثم يعرِّف. وكلمة المدينة *إما يراد بها القرية التي دخلاها فلما ذكرها أولاً قرية جاء بعد ذلك فعرّفها كأنما يريد أن يشير إلى أنها قرية كبيرة فقال مدينة ثم أن فيها تنويع. المدينة عادة أوسع من القرية في المصطلح اللغوي لكن عند العرب المدينة يسمونها قرية أحياناً والقرية يسمونها مدينة بحسب نظر المتكلم. مكة أم القرى وهي مدينة واسعة (حتى يبعث في أم القرى رسولاً).* والقول الآخر أن هذه الألف واللام للعهد الذهني: يعني المدينة التي مررنا بها من قبل، كأنما في ذهنها مدينة معينة مرّا بها من قبل. * (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) ترتيب هذه الأشياء (الجدار، غلامين، كنز، أبوهما) إذا تغيّر هل سيبقى بنفس الدلالة؟ هذا كأنه نظام، كأنه بناء كأنك تبني بيتاً فالبناء هكذا. هو ذكر له جداراً قد أقامه فالآن يريد أن يفسر له ما يتعلق بهذا الجدار فالمهم أولاً الجدار فيذكر الجدار ثم يذكر لمن هذا الجدار؟ ثم يذكر بعد ذلك ما شأن هذا الجدار؟ لماذا أقمته؟ أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة، لماذا أقمته؟ وكان تحته كنز لهما، ما شغلنا بذلك؟ وكان أبوهما صالحاً. فمن أجل صلاح الأب فهو ترتيب طبيعي لا يستدعي أن يكون هناك إضطراب. الكنز في اللغة هو الشيء الدفين. الشيء الدفين إذا كان مالاً سمي كنزاً أي هذا المدفون إحتفظ به. والعلماء هنا يتحدثون هل يجوز كنز المال بهذا الشكل؟ (الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها) المفروض أن يشغلها. قسم قالوا شرعُ من قبلنا وقسم يقولون أن الأب يمكن أن يشغّل المال ولكن لما أحسّ بالوفاة أحس وهو في قرية ظالمة، قرية بخيلة، لا تضيّف أحداً وأحس أنه سيأخذون مال أولادي فدفنه وقال يا رب أنت تتولاه . (وكان أبوهما صالحاً) هذا درس للآباء صلاحهم خيرٌ لذريتهم أيضاً. الغلام كان أبواه مؤمنين وهو فاجر ورحمة بالأبوين قُتِل وقبِل الله تعالى دعوتهما وعوضهما خيراً منه. (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ): نسب الإرادة لله تعالى (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) لم يقل فأردت أو فأردنا لأن بلوغ الغلامين السن الكبير هذا لله سبحانه وتعالى لا يستطيع أن يُدخل الخضر نفسه فيه حتى لو عظّم نفسه.