عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٥٠﴾    [البقرة   آية:١٥٠]
آية (١٥٠) : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) * ذكر تعالى الناس معرّفة بـ (أل) وذلك حتى تستغرق هذه الكلمة الناس جميعاً مهما اختلفت مللهم . * قال (لئلا يكون للناس) ولم يقل لئلا يكون للمشركين ولم يقتصر على ذكر الذين اعترضوا في ذلك الوقت على تحوّل القِبلة وشككوا في النبي وكأن هذه الكلمة (للناس) قد دلّت على أن التوجه إلى الكعبة المشرفة مبطلٌ لمزاعم الناس المشككين كلهم في كل زمان وكل مكان . * متى تثبت الياء ومتى تحذف كما في قوله (واخشوني، واخشون) ؟ في جميع القرآن عندما يُظهِر الياء يكون التحذير أشد ويكون الأمر أكبر فلو اغتاب أحدهم آخر تقول له إتقِ الله ولكن إن أراد أن يقتل شخصاً فتقول له إتقي الله ، فالتحذير يختلف بحسب الفعل ، وهذا التعبير له نظائر في القرآن (اتّبعني إتبعنِ ، كيدوني كيدونِ ، أخّرتني أخرتنِ) ، أما إخشوني واخشونِ فوردت الأولى في سورة البقرة والثانية في المائدة . في سورة البقرة التحذير أكبر فالسياق هنا في تبديل القِبلة وقد صار كلام كثير ولغط وإرجاف بين اليهود والمنافقين حتى ارتد بعض المسلمين ، هي أمر كبير لذا قال (واخشوني) . في سورة المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ (٣))هذا يأس هؤلاء يائسين فصار التحذير أقل . في الآية الأخرى في سورة المائدة (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)) ليس فيها محاربة ولا مقابلة فقال (واخشونِ) بدون ياء . الحذف في قواعد النحو يجوز والعرب تتخفف من الياء لكن الله سبحانه وتعالى قرنها بأشياء فنية .