عرض وقفة أسرار بلاغية
- ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴿١٩﴾ ﴾ [لقمان آية:١٩]
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)}
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي توسط في المشي بين الإسراع والإبطاء.
والمشي إنما يكون بقدر الحاجة، فإن احتجت إلى الإسراع أسرعت، وإلا فتوسط في مشيك، ولا يكن سمتك التماوت في المشي فإنه مذموم.
{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أي اخفض منه، وقال: (اغضض من صوتك) ولم يقل: (اغضض صوتك) لأنه ليس المطلوب أن يخفض صوته كله فلا يسمع، وإنما المطلوب منه بقدر ما يحتاج إليه السامعون، فلا يكون أعلى من ذلك فيزعجهم، ولا يكون أقرب إلى الهمس فلا يسمعون..
وهذا كما ترى إشارة إلى التوسط والاعتدال فيما ذكر.
جاء في (التفسير الكبير): "لما قال: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} وعدم ذلك قد يكون بضده، وهو الذي يخالف غاية الاختلاف، وهو مشي المتماوت الذي يرى من نفسه الضعف تزهدًا فقال: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي كن وسطًا بين الطرفين المذمومين...
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} إشارة إلى التوسط في الأفعال والأقوال" (1).
{إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} أي أقبحها، فذكر من يرفع صوته أكثر مما ينبغي بصوت الحمار ونكره في النفوس ليغض منه.
فإن قلت: لم و صوت الحمير ولم يجمع؟.
قلت: ليس المراد أن يذكر صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع، وإنما المراد أن كل جنس من الحيوان غير الناطق له صوت، وأنكر أصوات هذه الأجناس صوت هذا الجنس، فوجب توحيده" (2).
فإن قلت: ولم قال هنا: (لصوت الحمير) ولم يقل: (لصوت الحمر) وكلاهما جمع الحمار، مع أنه قال في موطن آخر: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} {المدثر: 50}، فجمع على الخمر؟
فنقول: إن القرآن استعمل (الحمير) جمعًا للحمار الأهلي، واستعمل (الحمر) جمعًا للحمار الوحشي فقال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} (النحل: 8}.
وما عرفه عموم الناس من الأصوات المنكرة صوت الحمر الأهلية وهي التي تعيش معهم فجمعه على الحمير. هذا علاوة على فواصل الآية، والله أعلم.
(1) التفسير الكبير 9/122 – 123.
(2) الكشاف 2/518.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 451 إلى ص 452.