عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿١١﴾    [لقمان   آية:١١]
{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11)} * * * {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} يمكن أن يراد بالمصدر ههنا اسم المفعول، أي مخلوقاته، والإشارة إلى ما ذكر من خلق السماوات وغيرها. ويمكن أن يراد به الحدث؛ أي: هذا خلقه، كما تقول: (هذا صنعه) وهذا فعله). والإشارة تكون إلى بديع صنعه وحسن فعله، ومن المحتمل أن يكونا مرادين معًا. وقال: (ماذا) ولم يقل: (ما خلق الذين من دونه) للتنصيص على الاستفهام، ولو قال: (ما) لاحتمل الموصولية والاستفهامية. وفي الاستفهام من التعجيز والاستهزاء ما ليس في الموصول، إذ قد يفهم من الموصولية أنهم خلقوا شيئًا فتطلب رؤيته، فيكون المعنى: أروني الذي خلقوه، كما تقول: انظر إلى ما صنع فلان، وهذا ما فعل فلان، وهذا ما رسمه، وهذا ما كتبه، وأرني ما كتب، فإن كانت موصولة احتمل أنه كتب شيئًا فأراد أن يراه، وقطعا لهذا المعنى ولئلا يفهم أنهم خلقوا شيئًا جاء بما ينص على الاستفهام ولا يحتمل الموصول وهو (ماذا). ومن المعلوم أن الذين من دونه لم يخلقوا شيئا وهم يعلمون ذاك، فهم لا يستطيعون أن يروه شيئا خلقه غير الله ولذا انقطعوا وسكتوا فقال هو: {بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. والمشركون من الظالمين، فهم ظالمون لأنفسهم لأنهم عبدوا ما لا يستحق العبادة، فأذلوا أنفسهم وحقروها لأنهم عبدوا ما هو دونهم، وهم سيدخلون أنفسهم النار فكانوا ظالمين لها. وهم ظالمون من جهة أخرى لأنهم أعطوا ما لا يستحق شيئا أعظم الأشياء وهو العبادة، فالعبادة حق الله وحده وهم جعلوها لغير الله، وهذا ظلم، لأنك إذا صرفت الحق عن صاحبه إلى غيره كنت ظالمًا، فهؤلاء إذن ظالمون. وهم في ضلال ظاهر مظهر لنفسه، أي هو من الوضوح بحيث لا يخفى على عاقل. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 408 إلى ص 409.