عرض وقفة أسرار بلاغية
{أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) }
أولئك الموصوفون بتلك الصفات على هدى من ربهم، فذكر أن الهدى إنما هو من ربهم لا من ذات أخرى.
واقتران لفظ الرب مع الهداية أحسن اقتران، ذلك أن الرب هو المربي والمعلم والمرشد، وأولى مهمات الرب التربية والهداية، ولذا كثيرا ما يقترن لفظ الرب مع الهداية، وذلك كقوله: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} {طه: 50}، وقوله: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} {الأنعام: 161}، وقوله: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} {الشعراء: 62}، وغير ذلك.
وإضافة (الرب) إلى ضميرهم إضافة لها دلالتها، ذلك أن الذي يهديهم هو ربهم وفيه إخلاص الهداية ومحض النصح والتوجيه.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 391 إلى ص 392.
* * *
{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
وتعريف المفلحين والمجيء بضمير الفصل يدلان على أنهم وحدهم المفلحون وليس ثمة مفلح سواهم، والإنسان يبغي الفلاح في كل أموره، فإذا كان الأمر كذلك فعليه أن يكون على هدى من ربه ولا فلاح بغير ذلك. فهذا إهابة بالناس لأن يكونوا منهم بل أن لا يكونوا إلا منهم، فمن عداهم خاسر وهم وحدهم المفلحون.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن طريق الهدى قد يكون شاقًا مكلفًا وقد تكون عاقبته شديدة الأذى في الدنيا وينال متبعه من الضر والعنت ما يؤدي إلى العزوف عنه، فذكر ربنا أن متبعه مفلح رابح وأنه لا فلاح في سواه، فكان ذلك مدعاة إلى اتباعه وإهابة بالتمسك به، فكان ذلك أحسن تعقيب.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 392 إلى ص 392.