عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴿٢﴾    [لقمان   آية:٢]
{تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} أشار إلى الآيات ولم يشر إلى الكتاب كما في سورة البقرة، وذلك لما تردد في السورة من ذكر للآيات السمعية والكونية من مثل قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا}. وهذه من الآيات السمعية. ومن الآيات الكونية التي ذكرها خلق السماوات بغير عمد، وإلقاء الرواسي في الأرض، وإنزال الماء وإخراج النبات، وتسخير الشمس والقمر، وغير ذلك من الآيات من مثل قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}. وقوله: {وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)}. ووصف الكتاب بأنه (حكيم)، والحكيم يحتمل أن يكون من الحكمة؛ أي: هو ذو حكمة (1)، ويحتمل أن يكون من الحكم (2)، أي: كتاب حاكم على غيره من الكتب ومهيمن عليه، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} {المائدة: 48}. ويحتمل أن يكون فعيلا بمعنى مفعول (3)، أي (حكم)، كما قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} {هود: 1}. وهذه المعاني مرادة كلها، فهو ذو حكمة، وحاكم على غيره، ومحكم. ومقتضى وصف الكتاب بأنه حكيم أن قائله حكيم، وقد وصف ربنا نفسه في السورة في أكثر من موضع بأنه حكيم فقال: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)}، وقال: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)}. (1) التفسير الكبير 9/115. (2) ينظر المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز 11/482، روح المعاني 21/66. (3) ينظر روح المعاني 21/66. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 383 إلى ص 384.