عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴿٧٣﴾    [يس   آية:٧٣]
{وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) } قدم الضمير العائد عليهم في الجار والمجرور (لهم) على ضمير الأنعام في قوله: (فيها) لأن الكلام إنما هو عليهم وهي مخلوقة لهم. فهم سبب وجودها والعلة المسببة لخلقها، ثم ذكر ضمير الأنعام بعد ذلك. ثم ذكر أن لهم فيها منافع عدا الركوب والأكل كالجلود والأوبار والأصواف وغيرها، وكالحراثة وما إلى ذلك (1). والمشارب تعم شيئين: اللبن وأدوات الشرب، فإن من الجلود ما يتخذ أواني للشرب والأدوات من القرب وغيرها (2). فجمع بقوله: (مشارب) معنيين، ولو قال: (لهم فيها شراب) لم يفد إلا معنى واحدًا وهو اللبن. وذكر المشارب بعد المنافع من باب ذكر الخاص بعد العام، وذلك لأهميتها واعتناء العرب بها. وقدم الأكل على الشرب كما هو في سائر القرآن الكريم من تقديم الأكل على الشرب كقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} {الأعراف: 31} وذلك الأهمية الأكل وصعوبة الحصول عليه. ولأن الأكل من الأنعام أعم من الشرب، فإن الأكل يكون من إناثها وذكورها صغارها وكبارها، أما الشرب فيكون من الإناث خاصة وفي حالات خاصة، فقدم ما هو أهم وأعم. وقد أخر ذكر المشارب عن بقية المنافع؛ لأن ما تقدم من المنافع يمكن الانتفاع به متى شاء صاحبها إلا المشارب فإنها لا تكون إلا في وقت معين وهو وقت الإرضاع ولا يكون في غيره، فأخرها لمحدودية الانتفاع بها والله أعلم {أَفَلَا يَشْكُرُونَ} أي ألا يكون ذلك سببًا لشكرهم لاستدامة النعم عليهم؟ وقال ذلك بصيغة الاستفهام لأن الاستفهام في نحو هذا أدعى إلى الحث واستثارة النفوس إلى مقابلة النعم بالشكر وأدل على بيان سوء صنيعهم إن لم يفعلوا. وجاء بالفاء الدالة على السبب؛ وذلك لأنه تقدم ما يستدعي الشكر وهو ما ذكره من النعم. وأطلق الشكر ليتناول المنعم والنعمة كما مر بيان ذلك في آية سابقة في السورة. (1) ينظر الكشاف 2/594، التفسير الكبير 26/106، روح المعاني 23/51. (2) ينظر التفسير الكبير 26/106. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 352 إلى ص 353.