عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ﴿٥٩﴾    [يس   آية:٥٩]
{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} {يس: 59 – 62}. * * * {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} أي انفردوا عن المؤمنين وكونوا على حدة، ونحوه قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} {الروم: 14}، وقوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} {الروم: 43}، وقوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} {يونس: 28} (1). وورود هذه الآية بعد قوله: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} من ألطف المناسبات، ذلك أن السلام إنما يكون عند خلو المكان من المجرمين، فإن كان فيه مجرمون فلا سلام، فمازهم من فريق المؤمنين ومكانهم فعمهم السلام. وقيل: إن معنى قوله: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} انفردوا بعضكم عن بعض، فيكون لكل كافر بيت من نار يكون فيه لا يرى ولا يرُى (2). جاء في (التفسير الكبير): "(امتازوا) بعضكم عن بعض، على خلاف ما للمؤمن من الاجتماع بالإخوان الذي أشار إليه بقوله تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} فأهل النار يكون لهم العذاب الأليم وعذاب الفرقة أيضًا، ولا عذاب فوق الفرقة" (3). قال في (روح المعاني): "ولعل هذا بعد زمان من أول دخولهم، فلا ينافي عتاب بعضهم بعضًا الوارد في آيات أخر كقوله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} {غافر: 47}" (4). ويبدو إن صح هذا القول أن التمايز أول ما يكون بينهم وبين المؤمنين، ثم يكون بينهم فيما بعد، والله أعلم. (1) ينظر الكشاف 2/591، تفسير ابن كثير 3/576. (2) ينظر الكشاف 2/591، روح المعاني 23/39. (3) التفسير الكبير 26/95. (4) روح المعاني 23/39. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 284 إلى ص 285.