عرض وقفة أسرار بلاغية
{وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}
ذكروا أن مهمتهم هي البلاغ المبين حتى إن كذبوهم وأساءوا إليهم فإن هذا لا يثنيهم عن البلاغ لأن هذا أمر أنيط بهم وعليهم تنفيذه.
ومعنى (علينا) أي نحن مكلفون بذلك وهو واجبنا، فواجب الرسل هو التبليغ. بل يلزمنا البلاغ المبين، أي المبين للحق المظهر له، والذي يصل إلى عموم المكلفين بحيث لا يبقى أحد لا يسمع به ولا يعلم ما هو فلا يصح أن نسر ذلك إلى شخص أو نبلغه إلى جماعة مخصوصة فإن ذلك لا يكون بلاغًا مبينًا. فالبلاغ المبين يتضمن أمرين:
الأمر الأول: إيضاح الرسالة وتبليغها كلها بحيث لا يبقى منها شيء غير مبلغ ولا غير معلوم.
والأمر الآخر: أن يكون التبليغ شاملًا لكل من أرسل إليهم و اصلًا إلى كل فرد.
فلا يترك سبيلًا لإيصال الدعوة إلى كل من تعنيه.
وإلا لم يكن بلاغًا مبينًا.
وعلى هذا فإن عليهم أن يبلغوا كل ما أرسلوا به وألا يكتموا منه شيئًا وأن يوصلوه إلى جميع أصحاب القرية. وهذان الأمران لا يصدهم عنهما صاد ولا يدفعهم عنهما دافع لأن ذلك مما ألزموا به إلزامًا.
جاء في (التفسير الكبير): "و(المبين) يحتمل أمورًا:
أحدها: البلاغ المبين للحق عن الباطل، أي الفارق بالمعجزة والبرهان.
وثانيها: البلاغ المظهر لما أرسلنا للكل. أي لا يكفي أن نبلغ الرسالة إلى شخص أو شخصين.
وثالثها: البلاغ المظهر للحق بكل ما يمكن" (1).
(1) التفسير الكبير 26/53.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 81 إلى ص 82.