عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٧﴾    [يس   آية:٧]
{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)} معنى (حق القول) في القرآن الكريم ثبت لهم العذاب ووجب، والقول هو قوله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} {السجدة: 13}. جاء في (الكشاف): "(القول) قوله تعالى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} يعني تعلق بهم هذا القول وثبت عليهم ووجب؛ لأنهم ممن علم أنهم يموتون على الكفر" (1). وجاء في (فتح القدير): "ومعنى (حق) ثبت ووجب القول، أي العذاب على أكثرهم.. وقيل المراد بالقول المذكور هنا هو قوله سبحانه: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ} {ص: 84 – 85}" (2). وجاء في (التفسير الكبير): في قوله تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ} وجوه: (الأول): وهو المشهور، أن المراد من القول هو قوله تعالى: {فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ}. (الثاني) : هو أن معناه: لقد سبق في علمه أن هذا يؤمن وأن هذا لا يؤمن فقال في حق البعض: إنه لا يؤمن، وقال في حق غيره: إنه يؤمن (فحق القول) أي وجد وثبت بحيث لا يبدل بغيره. (الثالث) هو أن يقال: المراد منه لقد حق القول الذي قاله الله على لسان الرسل من التوحيد وغيرها وبان برهانه، فأكثرهم لا يؤمنون بعد ذلك.... (على أكثرهم) فإن أكثر الكفار ماتوا على الكفر ولم يؤمنوا" (3). ولا شك أن سبق قوله لسبق علمه فلا اختلاف بين القولين الأول والثاني مما ذكره الرازي. وكذلك أن المعنى الذي ذكره في القول الثالث صحيح، لكن الذي يظهر أن المراد من معنى (حق القول) في القرآن هو ثبوت العذاب ووجوبه كما ذكرت. والذي يرجح ذلك أنه لم يرد في القرآن الكريم (حق القول) إلا لهذا المعنى، وكذلك (حقت كلمة ربك) فإسناد الفعل (حق) إلى القول أو الكلمة لا يعني إلا ثبوت العذاب ووجوبه، وذلك في ثلاثة عشر موضعًا. قال تعالى: {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} {القصص: 63}. وقال: {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} {فصلت: 25}. وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} {الأحقاف: 18}. وقال: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} {السجدة: 13}. وقال: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} {يس: 7}. وقال: {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} {الإسراء: 16}. وقال: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} {يس: 70}. وقال: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} {الصافات: 31}. وقال: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ} {الزمر: 19}. وقال: {حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} {الزمر: 71}. وقال: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} {يونس: 33}. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} {يونس: 96 – 97}. وقال: {وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} {غافر: 6}. وبذا يترجح ما ذكرناه. وذكر في أية (يس) أنه حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون، وهذا ما حصل فإن أكثر الكفار لم يؤمنوا وماتوا على الكفر وبذا تحقق ما أخبر به القرآن. وهو من الإعجاز لأنه أخبر بالشيء قبل حصوله فحصل. وقد تقول: وما أدرانا أن هذا الأمر قد تحقق وأن أكثرهم ماتوا على الكفر؟ والجواب: يكفي وروده في القرآن الكريم، فإن القرآن أصدق وثيقة تاريخية عما أخبر في وقته. ولو لم يتم هذا الأمر لكان ذلك دليلًا على كذب ما أخبر به ولأعترض عليه الكفار بأن ما أخبر به لم يحصل. فإن القرآن يتلى عليهم ليل نهار وهذه الآية يسمعونها دومًا، فلو لم يحصل ذلك لكذبوه ولارتدوا عنه. ثم لنلاحظ أن الآية مصدرة بـ (لقد) وهذه اللام واقعة في جواب قسم عند النحاة سواء كان القسم مذكورًا أم مقدرًا. و(قد) حرف تحقيق وقد دخلت على الفعل الماضي، ومعنى ذلك أن ما أخبر به قد حصل وتحقق فعلًا. وقال: {فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} ولم يقل: (فهم لم يؤمنوا) ليدل على أنهم سيموتون على الكفر وأنهم لا يؤمنون في مستقبل حياتهم، ولو قال: (فهم لم يؤمنوا) لكان إخبارًا عن أمر قد مضى. وكذلك لو قال: (فهم غير مؤمنين) لاحتمل أنه يخبر عن حالتهم التي هم عليها وقت نزول الآية، وقد يتغير ذلك في المستقبل، فقد يكون أشخاص غير مؤمنين وقت نزول هذه الآية وسيؤمنون بعد ذلك، فلا يكون عند ذاك إخبارًا عن أمر غيب. فكان قوله الذي قاله أمثل شيء وأنسبه. وقد تقول: ولم قدم (القول) على الجار والمجرور فقال: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} مع أنه في مواطن أخرى يقدم الجار والمجرور على القول وذلك نحو قوله تعالى: {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} {فصلت: 25}، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} {يونس: 96}. والجواب: أن التقديم والتأخير إنما هو لغرض معنوي كما هو مقرر في علم البلاغة، فما كانت العناية به أكثر قدم في الكلام. فإذا كان الاهتمام بالقول أكثر قدم، وإذا كان الاهتمام بمن حق عليهم القول أكثر قدموا، وإليك إيضاح ذلك: قال تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}. فقدم (عليهم) على (القول)، ذلك أن السياق فيمن حق عليهم القول، أي على الأقوام الذين حق عليهم العذاب، ذلك أن الكلام على أعداء الله ابتداء من الآية التاسعة عشرة إلى الآية التاسعة والعشرين. قال تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} {فصلت: 19 – 29}. فناسب تقديم ضمير هؤلاء على (القول) لأن الكلام يدور عليهم. في حين قال: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} {يونس: 33}، فقدم الكلمة على (الذين فسقوا) لأن الاهتمام ليس منصرفًا إلى هؤلاء، وإنما الكلام على الله ونعمة واستحقاقه للعبادة، فناسب تقديم كلمته سبحانه. قال تعالى: {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} {يونس: 29 – 35}. فانت ترى أن الكلام في آية (يس) فإن العناية بقول الله عليهم أكثر من الكلام على القوم وأفعالهم. فإنه لم يذكر عن القوم إلا أنهم غافلون لأن آباءهم لم ينذروا. ولم يذكر شيئًا عن أفعالهم وإنما ذكر تفسير استحقاق القول عليهم، فذكر أنه سبحانه جعل من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا... إلخ، فذكر ما فعله ربنا ولم يذكر ما فعلوه هم فقال: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ} {يس: 8}، فجاعل الأغلال هو الله. {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا}، وجاعل السد هو الله، {فَأَغْشَيْنَاهُمْ} والذي أغشاهم هو الله. فناسب تقديم قوله عليهم وهو المناسب للسياق. فالجعل جعله، والإغشاء إغشاؤه، والقول قوله. هذا من حيث السياق والمقام. وهناك أمر آخر لفظي في هذه الآيات وهو: أنه إذا كان حرف الجر داخلًا على الضمير نحو (عليهم) و(علينا) تقدم الجار والمجرور على القول وإلا تأخر. وهذا لم يتخلف في جميع هذه الآيات. قال تعالى: {حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ}، في ثلاث آيات: {القصص: 63}، {فصلت: 25}، {الأحقاف: 18}. وقال: {فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ} {الإسراء: 16}. وقال: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا} {الصافات: 31}. وقال: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} {الزمر: 19}. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} {يونس: 96}. بتقديم الجار والمجرور على الفاعل في كل ذلك. في حين قال: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} {يس: 7}. وقال: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا} {يونس: 33}، وقال: {حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} {الزمر: 71}. وقال: {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} {يس: 70}. بتقديم الفاعل على الجار والمجرور. فناسب تقديم القول في سورة يس من ناحية اللفظ إضافة إلى المعنى. وأود أن أشير إلى أمر آخر وهو: أن كل تعبير قدم فيه ما قدم إنما كان لغرض تقتضيه البلاغة ويقتضيه السياق والمقام إضافة إلى اللفظ، فليس اللفظ وحده الداعي إلى التقديم. فازداد ذلك حسنًا على حسن. (1) الكشاف 2/582. (2) فتح القدير 4/394. (3) التفسير الكبير 26/43، وانظر البحر المحيط 7/323 – 324، روح المعاني 22/213. (4) انظر التفسير الكبير 26/44. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 24 إلى ص 31.