عرض وقفة أسرار بلاغية
{يس (1)}
قيل في الأحرف المقطعة كلام كثير، وأنا لا استطيع أن أذكر أكثر مما ذكروا، غير أني أود ان أقول هنا إن هذه الاحرف مهما قيل فيها فإنها تلفت انتباه السامع وتجعله يصغي إلى ما يقال بعدها فكأنها وسيلة تعبيرية تشد الذهن، ولذا قال قوم: إنها فواتح للتنبيه واستئناف الكلام. وقال آخرون إنها إشارة إلى حروف المعجم، كأنه قال للعرب: إنما تحديتكم بنظم هذه الحروف التي تعرفونها فأنا أجعل منها كلامًا معجزًا يعجز عن مثله الإنس والجن ولو تظاهروا عليه. وقال قوم: إن المشركين لما أعرضوا عن سماع القران بمكة نزلت ليستغربوها فيفتحون لها أسماعهم فيستمعون القران بعدها فتجب عليهم الحجة (1).
وأريد أن أشير إلى أمر أخر بخصوص (يس)؛ فقد ذهب بعضهم إلى أنه اسم من أسماء محمد بدليل قوله بعدها: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} (2).
ولا أرى هذا الاستدلال سديدًا، فقد ورد خطاب الرسول بعد غيرها من الأحرف المقطعة مما يعلم يقينًا أنه ليس من أسماء الرسول. فقد قال تعالي: {حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} }الشورى:1 - 3{، وقال: {كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} }مريم:1 - 2{، وقال: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)} }القلم:1 - 3{
ولم يقل أحد إن {حم (1) عسق} أو {كهيعص} أو {ن} من أسماء الرسول.
جاء في (التبيان في أقسام القران): "والصحيح أن يس بمنزلة حم والم ليست من أسماء النبي " (3).
(1) انظر البحر المحيط 1/34.
(2) انظر البحر المحيط 7/322 – 323، فتح القدير 4/348.
(3) التبيان في أقسام القرآن 267.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الثاني من ص 5 إلى ص 6