عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿١٠٥﴾    [الأنبياء   آية:١٠٥]
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)} الظاهر أن المقصود بالزبور كتاب داود عليه السلام، وأن المقصود بالذكر هنا التوراة. وقد سماها القرآن ذكرًا كما سمى غيرها مما أنزله ربنا على رسله، فقد قال نوح لقومه: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 63]. ونحو ذلك قال هود لقومه (الأعراف: 69). وقال في التوراة: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48]. والقرآن ذكر وذو الذكر وهو الذكر. قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]. وقال: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الأنبياء: 50]. وقال: {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1]. كما أن الزبور معناه الكتاب وجمعه زبر. قال تعالى: {جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [فاطر: 25]. وقال: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196]. وقال: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} [القمر: 52] أي مدون مكتوب في الصحف. إلا أن الذي يظهر أن المقصود بالزبور والذكر في الآية ما ذكرناه من زبور داود والتوراة، وإن كان قسم من المفسرين يرى أن المقصود بالزبور والذكر عموم ما أنزل الله من الكتب. وذهب بعضهم إلى أن المقصود بالذكر هو اللوح المحفوظ والله أعلم. جاء في (الكشاف): "زبور داود عليه السلام، والذكر: التوراة، وقيل: اسم لجنس ما أنزل على الأنبياء من الكتب. والذكر: أم الكتاب، يعني اللوح" (1). وجاء في (البحر المحيط): "الزبور: الظاهر أنه زبور داود. وقاله الشعبي. ومعنى هذه الآية موجود في زبور داود وقرأناه فيه" (2). وقرأنا في التوراة نحو ذلك المعنى من أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون. فمما ورد فيها في أشعيًا في الإصحاح الستين: "كل غنم قيدار تجتمع إليك. كباش نبايوت تخدمك... وتنفتح أبوابك دائمًا نهارًا وليلاً لا تغلق. وشعبك كلهم أبرار إلى الأبد يرثون الأرض". وهذا النص واضح أنه في مكة وفي الكعبة تحديدًا. وقيدار ونبايوت من أولاد إسماعيل. وقد ذكرنا شيئًا من ذلك في كتابنا (نبوة محمد من الشك إلى اليقين). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 247 إلى ص 249. (1) الكشاف 2/339 وانظر التفسير الكبير للرازي 8/192. (2) البحر المحيط 6/344.