عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴿١٠٣﴾    [الأنبياء   آية:١٠٣]
{لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103)} إن الفزع الأكبر قيل هو "النفخة الأخيرة لقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [النمل: ۸۷] (1). وقيل هو يوم القيامة بجملته. جاء في (البحر المحيط): "الفزع الأكبر عام في كل هول يكون يوم القيامة، فكان يوم القيامة بجملته هو الفزع الأكبر" (2). وقيل هو "بيان لنجاتهم من الأفزاع بالكلية بعد بيان نجاتهم من النار؛ لأنهم إذا لم يحزنهم أكبر الأفزاع لا يحزنهم ما عداه بالضرورة" (3). {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} بالسلام عليهم وتبشيرهم بالجنة وتهنئتهم. {هَذَا يَوْمُكُمُ} الإشارة بالقريب لأن اليوم حاضر. "وإضافة (يوم) إلى ضمير المخاطبين لإفادة اختصاصه بهم وكون فائدتهم حاصلة فيه" (4). ومن النظر في الآيات التي ذكرها في الكافرين والمؤمنين تتبين مقابلات عديدة منها: 1- أنه قال في الكافرين إنهم حصب جهنم هم لهم واردون. وقال في المؤمنين إنهم عنها مبعدون. فأولئك حصب جهنم هم لها واردون. وكل منهما قدم فيه الظرف فقال في الكافرين: {لَهَا وَارِدُونَ}. وقال في المؤمنين: {عَنْهَا مُبْعَدُونَ}. وهو تناظر جميل. ٢- وقال في الكافرين: {وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} وقال في المؤمنين: {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} وفرق عظيم بين عدم السماعين. ثم إن المؤمنين لا يسمعون حسيسها وإنما يسمعون البشرى حين تتلقاهم الملائكة وتقول لهم: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}. ٣- وذكر أن للكافرين غمًّا وزفيرًا {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ}. وأن المؤمنين فيما اشتهت أنفسهم خالدون. فأولئك في الغم يتحسرون ويزفرون، وهؤلاء فيما اشتهت أنفسهم خالدون. ٤- ثم إن أولئك في جهنم خالدون كما قال سبحانه: {وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} وهؤلاء فيما اشتهت أنفسهم خالدون. 5- إن الكافرين يقولون: {يَاوَيْلَنَا}، فهم في حزن مما هم فيه يدعون بالهلاك. وهؤلاء لا يحزنهم الفزع الأكبر. وكلتا الحالتين في الموقف. 6- إن الكافرين كانوا في غفلة وكانوا ظالمين. وهؤلاء سبقت لهم منه الحسنى سبحانه بطاعتهم له كما قال سبحانه: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ} [يونس: 63 – 64]. وقال: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17 - 18]. وغير ذلك. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 240 إلى ص 243. (1) الكشاف 2/338. (2) البحر المحيط 6/342. (3) تفسير أبي السعود 3/730. (4) التحرير والتنوير 17/157.