عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴿٩٨﴾    [الأنبياء   آية:٩٨]
{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} الخطاب صالح لمن تقدم من الذين كفروا الذين قالوا: {يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}. فقال لهم ربهم: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}، ويصلح أن يكون خطابا لقوم الرسول الذين يعبدون ما يعبدون من دون الله. وهذه عاقبة كل من كان كذلك. والحصب: ما يحصب به، أي ما يرمى به، من (حَصَبَه) إذا رماه بالحصباء وهو الحصا والحجارة. قال تعالى في قوم لوط: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34]. وقال: {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك: 17] والحاصب: هو الريح العاصف فيها حصا وحجارة. وحصب جهنم: ما يرمى به في نار جهنم، جاء في (تفسير أبي السعود): "الحصب ما يرمى به ويهيج به النار، من حصبه إذا رماه بالحصباء" (1). جاء في (لسان العرب): "وكل ما ألقيته في النار فقد حصبتها به، ولا يكون الحصب حصبًا حتى يسجر به. [وقيل]: الحصب: الحطب الذي تنور أو في وقود، فأما ما دام غير مستعمل للسجور فلا يسمى حصبًا" (2). فهم وما يعبدون من دون الله يحصب بهم في نار جهنم. {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } أي داخلون. وأصل التعبير (أنتم واردونها) والضمير (ها) مفعول به لاسم الفاعل. قدم المفعول به على اسم الفاعل للاختصاص فصار (أنتم إياها واردون)، وجيء باللام لتقدم المفعول على عامله اسم الفاعل نحو قوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}، وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5]. أي حافظون فروجهم. وهذه اللام تسمى اللام المقوية، أي مقوية للعامل الذي تأخر وهو هنا اسم الفاعل. وقد رجحنا في كتابنا: (معاني النحو) أنها مقوية لمعنى الاختصاص وتوكيده (3). أي أنتم تردونها لا تردون غيرها. وجاء باسم الفاعل للدلالة على ثبات ذلك فكأن الأمر قد حصل. لقـد أكـد الجـزء الأول من الآيـة بـ (إن) فقال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}. ولم يؤكد الجزء الثاني منها وهو قوله: {أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} وذلك أن الجزء الأول أدعى إلى التوكيد، فإنه ذكر أنهم وما يعبدون من دون الله يرمى بهم في جهنم. وأما الجزء الثاني من الآية فإنه ذكر فيه أنهم لها واردون، أي داخلون. و(ورد) معناها (دخل) ومعناها أيضًا: وصل إلى المورد من غير دخول كما قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} فإنه وصل إلى الماء ولم يدخله. فالجزء الأول أصعب وأشد وأشق، وذلك أنه جعلهم حصب جهنم، أي حطبًا يرمى به في النار، فأكد الجزء الأول لأنه أشد وأشق، فهما ليسا بمنزلة واحدة، فأكد ما هو أدعى إلى التوكيد. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 235 إلى ص 237. (1) تفسير أبي السعود 3/728 وانظر البحر المحيط 6/340. (2) لسان العرب (حصب). (3) انظر معاني النحو – باب حروف الجر (اللام) 3/83.