عرض وقفة أسرار بلاغية
{ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)}
أي إن ذوي الملل السابقة تقطعوا أمرهم بينهم وتفرقوا وخالفوا أمر ربهم وعبدوا آلهة متعددة فأصبحوا فرقًا شتى. ثم توعدهم بأنهم سيرجعون إلى ربهم وهو محاسبهم.
جاء في (الكشاف): "والأصل (وتقطعتم) إلا أن الكلام صرف إلى الغيبة على طريقة الالتفات، كأنه ينعى عليهم ما أفسدوه إلى آخرين ويقبح عندهم فعلهم...
والمعنى: جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعًا كما يتوزع الجماعة الشيء ويتقسمونه... تمثيلاً لاختلافهم فيه وصيرورتهم فرقًا وأحزابًا شتى، ثم بأن هؤلاء الفرق المختلفة إليه يرجعون، فهو محاسبهم ومجازيهم" (1).
قد تقول: لقد قال في موضع آخر:
{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: 52 - 53].
وواضح أن هناك تشابهًا واختلافًا بين النصين.
فقد قال في آية الأنبياء: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}،
وقال في آية (المؤمنون): {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}
وقال في سورة (المؤمنون): زُبُرًا.
ولم يقل ذلك في آية الأنبياء.
وقال: {وَتَقَطَّعُوا} بالواو في آية الأنبياء.
وقال: {فَتَقَطَّعُوا} بالفاء في آية المؤمنون.
ثم إن خاتمة كل من الآيتين مختلفة عن الأخرى.
وقد بينا ذلك في كتابنا: (التعبير القرآني) في باب (الحشد الفني). فلا موجب لتكراره.
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 217 إلى ص 218.
(1) الكشاف 2/336 – 337.