عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴿٨٠﴾    [الأنبياء   آية:٨٠]
{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80)} والمراد باللبوس الدرع (1) وهي تلبس في الحرب لتقيهم بأسها. فربنا سبحانه علمه صنعتها. {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} استفهام يراد به الطلب، أي فاشكروا الله على ذلك. وخاطب عموم الناس بذلك لأن فائدتها لعموم الناس إلى قيام الساعة، فإن البأس لا ينقطع. ألا ترى أنه لما لم يذكر في موضع آخر أنها للناس لم يطلب منهم شكره سبحانه؟ قال تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)} وأما قوله: {وَاعْمَلُوا صَالِحًا} (2) فقد قيل فيه: إن الخطاب لداود وأهله كما في قوله: {اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا} (3) والمراد بالسابغات: الدروع. ويحتمل أن يكون الأمر بالعمل الصالح لعموم الناس وإن كان السياق في آل داود أظهر والله أعلم. وحتى لو كان الأمر بالعمل الصالح لعموم الناس فإن كل تعبير يناسب سياقه الذي ورد فيه. فإنه في آية الأنبياء لما جعل صنعة اللبوس للناس لتحصنهم من بأسهم ناسب ذلك الأمر بشكره سبحانه، فهو من الشكر على النعمة. وأما آية سبأ فأنها في طلب العمل الصالح، وهو مطلوب من كل فرد بلا استثناء سواء كان في سياق النعم أم لم يكن. فناسب كل تعبير سياقه. أمر ومن لطيف المناسبة أنه لما ذكر اللبوس لهم طلب الشكر. ولما ذكر السابغات، والسابغ هو الكامل الوافي المتسع (4) أمر بالعمل الصالح؛ ذلك أنه ليس كل لبوس سابغًا، وأن الشكر إنما هو من العمل الصالح كما قال تعالى: اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا}، فإن (شكرًا) يصح إعرابه مفعولاً به لـ (اعملوا) أي اعملوا الشكر. وفيه أوجه أخرى غير المفعول به (5). فالسابغ هو الوافي المتسع كما ذكرنا، فناسب ذلك العمل الذي هو أعم من الشكر. فناسب كل تعبير موضعه من جهة أخرى. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 181 إلى ص 183. (1) الكشاف 2/334. (2) الكشاف 2/556، روح المعاني 22/116. (3) فتح القدير 4/306. (4) انظر لسان العرب (سبغ). (5) انظر روح المعاني 22/120.