عرض وقفة أسرار بلاغية
- ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴿٧٩﴾ ﴾ [الأنبياء آية:٧٩]
{وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79)}
قدم الجبال على الطير لأن تسبيحها أعجب.
جاء في (الكشاف): "فإن قلت: لم قدمت الجبال على الطير؟
قلت: لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب وأدل عل القدرة وأدخل في الإعجاز لأنها جماد والطير حيوان إلا أنه غير ناطق" (1).
وقال: (يسبحن) ولم يقل: (مسبحات) "مع أن الأصل في الحال الإفراد للدلالة على تجدد التسبيح حالاً بعد حال" (2).
ومن الملاحظ أنه قال هنا: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ}
فقدم الظرف (مع) على الجبال.
وقال في سورة (ص): {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ}
فقدم الجبال على الظرف.
وقد قيل إن ذلك لذكر داود وسليمان في الأنبياء فقدم مسارعة للتعيين وليس كذلك في آية (ص) (3).
ولعل من أسباب ذلك أن ما ذكره عن الجبال في (ص) أكثر مما ذكره في الأنبياء. فقد قال في الأنبياء: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ}.
وأما في (ص) فقد قال: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ}
فناسب ذلك تقديمها في (ص).
{وَكُنَّا فَاعِلِينَ}
"أي قادرين على أن نفعل هذا وإن كان عجبا عندكم" (4) وإن "من شأننا أن نفعل أمثاله فليس ذلك ببدع منا وإن كان بديعا عندكم" (5).
** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 180 إلى ص 181.
(1) الكشاف 2/334.
(2) روح المعاني 23/174.
(3) روح المعاني 23/174.
(4) الكشاف 2/334.
(5) روح المعاني 17/76.