عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴿٥١﴾    [الأنبياء   آية:٥١]
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52)} "الرشد: الاهتداء لوجوه الصلاح" (1). وإضافته إليه يعني كل ما يصح ويليق من الرشد أن يكون له. فاستوفى الرشد اللائق به. جاء في (تفسير أبي السعود): "{وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} أي الرشد اللائق به وبأمثاله من الرسل الكبار، وهو الاهتداء الكامل المستند إلى الهداية الخاصة الحاصلة بالوحي" (2). قد تقول: ولم لم يقل (أتينا إبراهيم الرشد) أو (رشدًا)؟ فنقول: إن كلمة (الرشد) أعم من (رشده)، ولذا لم يستعمل القرآن (الرشد) معرفة بأل للأشخاص، وإنما استعملها لدينه أو سبيله أو نحو ذلك؛ لأن الرشد أعم من (رشده) كما ذكرنا. قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦]. وقال: {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} [الأعراف: ١٤٦]. وقال: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ} [الجن: ۱ - ۲]. وأما (رشد) المنكرة فهي تعني أي نوع من الرشد وإن كان قليلاً، وذلك نحو قوله سبحانه: {فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6]. وهذا شأن عموم العقلاء من خلق الله من المكلفين. فليس في ذلك مزية خاصة به. بخلاف قوله: {آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ} أي رشده الذي يليق به، فاستوفى جميع الرشد الذي يمكن أن يكون له. {مِنْ قَبْلُ} أي من قبل موسى وهارون المذكورين في الآية السابقة. {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} كقوله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} وهذا من أعظم المدح وأبلغه" (3) وتقديم الجار والمجرور (به) على (عالمين) لأن الكلام على سيدنا إبراهيم. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 137 إلى ص 138. (1) الكشاف 2/320. (2) تفسير أبي السعود 3/708 – 709. (3) البحر المحيط 6/320.