عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿٤٦﴾    [الأنبياء   آية:٤٦]
{وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)} أي ولئن أصابهم أدنى شيء مما أنذروا به في قوله: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} لنادوا بالويل وأقروا بالظلم. وفي التعبير عدة مبالغات، منها: التعبير بالمس في قوله: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ}، والمس دون النفوذ، أي ولئن أصابهم أدنى شيء. والتعبير بالنفح وما فيه من لفظ القلة والنزارة، فإن أصل النفح هبوب رائحة الشيء أو العطاء اليسير. وبناء المرة في قوله: (نفحة) أي نفحة واحدة يسيرة من رائحة العذاب لنادوا بالويل وقالوا: (يا ويلنا). وإقرارهم بالظلم واتصافهم به على جهة الثبوت. وأكد ذلك بالقسم في قوله: (ولئن)، والجواب في: (ليقولن) وتوكيده بالنون الثقيلة، والتوكيد بـ (إن) في قوله: (إنا كنا)، والإقرار بالظلم على جهة الثبوت بالصيغة الاسمية. وأضاف العذاب إلى الرب مضافًا إلى كاف المخاطب لأنه هو الذي أنذرهم بالوحي من ربه. جاء في (الكشاف) "{وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ}من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء لأذعنوا وذلوا وأقروا بأنهم ظلموا أنفسهم حين تصاموا وأعرضوا. وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات، لأن النفح في معنى القلة والنزارة... نفحه بعطية: رضخه، ولبناء المرة" (1). وجاء في (روح المعاني): "ذكر المس وهو دون النفوذ ويكفي في تحققه إيصال ما. وما في النفح من معنى النزارة فإن أصله هبوب رائحة الشيء... نفحه بعطية: رضخه وأعطاه يسيراً. وبناء المرة وهي لأقل ما ينطلق عليه الاسم. وجعل السكاكي التنكير رابعتها لما يفيده من التحقير" (2). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 113 إلى ص 114. (1) الكشاف 2/329 – 330، وانظر البحر المحيط 6/316. (2) روح المعاني 17/54.