عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ ﴿٤٢﴾    [الأنبياء   آية:٤٢]
{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) } بعد أن ذكر استهزاءهم واستبعادهم لما وعدهم به رسوله أمر سبحانه رسوله أن يسألهم مقرعًا لهم: من الذي يحميهم ويحفظهم من بأس الله وعذابه الذي يستحقونه على وجه الدوام في الليل والنهار، فهم مستحقون لذلك لولا رحمته بهم. وقد ألمح باسمه (الرحمن) أنه حفظهم من ذلك برحمته وهو سينزله بهم إذا اقتضت حكمته ذلك. وقدم الليل على النهار لأن الداهية به أعظم وأشد وقعا فإنهم عند ذاك غافلون ولأنهم غير متوقعين ولا منتظرين لشيء من ذلك بل تفاجؤوهم. ونحو ذلك قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف: ۹۷ – ۹۸] فقدم البيات وهو الليل على النهار. ونحوه قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} [يونس: ٥٠]. وقوله: {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ } [يونس: ٢٤]. وفي ذلك تخويف أعظم وأشد. جاء في (البحر المحيط): "ثم أمره تعالى أن يسألهم من الذي يحفظكم في أوقاتكم من بأس الله، أي لا أحد يحفظكم منه. وهو استفهام تقريع وتوبيخ" (1). وجاء في (تفسير أبي السعود): "أي من بأسه الذي تستحقون نزوله ليلاً أو نهارًا. وتقديم الليل لما أن الدواهي أكثر فيه وقوعًا وأشد وقعًا. وفي التعرض لعنوان الرحمانية إيذان بأن كالئهم ليس إلا رحمته العامة" (2). وجاء في (نظم الدرر): "ولما كان لا منعم بكلاية ولا غيرها سواه سبحانه ذكرهم بذلك بصفة الرحمة فقال: (من الرحمن) الذي لا نعمة بحراسة ولا غيرها إلا منه حتى أمنتم مكره ولو بقطع إحسانه" (3). {بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ} فهم معرضون عن ذكر ربهم الذي أنعم عليهم وأحسن إليهم. وأضاف الضمير إليهم ليذكرهم بربوبيته لهم وإحسانه وتفضله عليهم. وقال: (معرضون) بالاسم للدلالة على دوام الإعراض عن ذكره سبحانه. جاء في (تفسير أبي السعود): "وإيراد اسم الرب المضاف إلى ضميرهم المنبئ عن كونهم تحت ملكوته وتدبيره وتربيته تعالى من الدلالة على كونهم في الغاية القاصية من الضلالة والغي ما لا يخفى" (4). ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 105 إلى ص 106. (1) البحر المحيط 6/314. (2) تفسير أبي السعود 3/704. (3) نظم الدرر 12/424. (4) تفسير أبي السعود 3/705.