عرض وقفة أسرار بلاغية

  • ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴿٣٧﴾    [الأنبياء   آية:٣٧]
{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)} لما كان الإنسان مطبوعًا على العجلة معتادًا لها قال سبحانه: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} كأنه مخلوق منها على سبيل المبالغة. والإنسان من صفاته العجلة كما قال سبحانه: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11]. جاء في (تفسير أبي السعود): "جعل لفرط استعجاله وقله صبره كأنه مخلوق منه... إيذانًا بغاية لزومه له وعدم انفكاكه عنه" (1). وبنى الفعل (خلق) للمجهول لأن هذه الصفة غير محمودة فلم يرد أن يسندها إليه سبحانه، والخالق معلوم. وهذا كثير جار في القرآن الكريم (2). ونحو ذلك قوله سبحانه: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: 28]، وقوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 19 – 21]. في حين قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] لما كان ذلك من مظاهر نعمته عليه. قال سبحانه في سورة المؤمنون: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} إلى أن قال: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} وقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26] ثم ذكر أنه أسجد له ملائكته أجمعين فقال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ} وهذا تكريم لآدم فقال: (خلقت). {سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} وآياته هي آيات الوعيد التي ستحل بهم في الدنيا، وعذاب الآخرة الذي وعدهم به. وقيل: هي أدلة التوحيد التي تدل على صدق الرسول. جاء في (البحر المحيط): "أي آيات الوعيد، فلا تستعجلون في رؤيتكم العذاب الذي تستعجلون به... والآيات هنا قيل: الهلاك المعجل في الدنيا والعذاب في الآخرة، أي يأتيكم في وقته. وقيل: أدلة التوحيد وصدق الرسول" (3). {فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} فإنها ليست في مصلحتكم، وإذا وقعت تمنيتم أنها لم تقع، سواء ما كان في الدنيا أم ما يكون في الآخرة. ** من كتاب: على طريق التفسير البياني للدكتور فاضل السامرائي الجزء الرابع من ص 94 إلى ص 95. (1) تفسير أبي السعود 3/701، وانظر نظم الدرر 12/420، البحر المحيط 6/312. (2) انظر كتابنا (التعبير القرآني) – تفسير سورة التين. (3) البحر المحيط 6/312 – 313 وانظر روح المعاني 17/49.